الكاتب : النهار
التاريخ: ٢٥ أغسطس-٢٠٢٥       12100

بقلم: عيسى المزمومي

في مسرح الحياة، يقف الإنسان كل شهر عند بوابة الراتب، كمن ينتظر قطارًا يعبر به إلى الضفة الأخرى. غير أن هذا القطار لا يتوقف طويلًا، فما إن يصل حتى يمضي سريعًا، تاركًا صاحبه على الرصيف ذاته، يلوّح له من بعيد وكأنه يكرر الدور نفسه بلا نهاية! 
لكن، هل خُلق الإنسان ليكون سجين رقمٍ في كشف بنكي؟
أليس في داخله عوالم أرحب، قادرة على أن تفتح له نوافذ نحو معنى أعمق للحرية؟! 
لقد تحوّل الراتب لدى كثيرين إلى رمزٍ للطمأنينة الزائفة، يَعدُهم بالاستقرار لكنه في الوقت ذاته يقيدهم بالخوف من فقدانه. يصبح الإنسان أسيرًا لدائرة مغلقة: يعمل ليأخذ، ثم يأخذ ليصرف، ثم يعود ليعمل من جديد، وكأن الأيام لا تحمل في جعبتها سوى تكرار ممل.غير أن الحياة لم تُصنع لتكون حسابًا مصرفيًا، بل لتكون رحلة بحث عن المعنى. فكل روح تحمل بذرةً تنتظر أن تنمو، وبابًا خفيًا يقودها إلى إمكانات أوسع مما تظن. من يظلّ واقفًا عند حدود الراتب فقط، يختزل نفسه في مجرد وظيفة، بينما من يطلق خياله ويستثمر قدراته، يكتشف أن الكون أكثر سخاءً مما يظن، وأن الرزق لا يُختصر في رقم شهري بل في مساحات الإبداع والعطاء! 
إن المال ليس عدوًا، لكنه ليس معبودًا أيضًا. هو وسيلة، والوسيلة لا تُمسك بزمام الروح. الحرية الحقيقية أن نرى في الراتب أداةً لا قيدًا، وأن ندرك أن الكرامة لا تُقاس بما نملكه بل بما نكونه، وبما نتركه من أثر في هذه الأرض.
فلنحرر أنفسنا من وهم الأمان الذي يَعِد به المال، ولنصغِ لأصوات أعماقنا التي تدعونا إلى عيش حياة تتجاوز المعادلات المادية. عندها فقط، نصبح أحرارًا، حتى وإن ظلّ الراتب يزورنا في آخر كل شهر!