

بقلم: فوز الرحيلي
لم تعد الرياضة مجرد منافسة بين عضلات اللاعبين ومهاراتهم الفردية، المشهد تغيّر كلياً مع دخول التكنولوجيا التي قلبت المفاهيم، وأعادت تعريف اللعبة اليوم، الرياضة مزيج بين الجهد البشري والذكاء الرقمي، بين الحماس الفطري والبرودة الحسابية.
في الملاعب، ترصد الكاميرات وأجهزة الاستشعار كل تفصيلة :"سرعة الركض، معدل ضربات القلب، المسافات المقطوعة"، الأرقام لم تعد للزينة، بل صارت لغة المدربين في اختيار التشكيلات وصياغة الخطط، حتى التدريبات تطورت.
الواقع الافتراضي والواقع المعزز يمنحان اللاعبين فرصة عيش سيناريوهات المباريات دون استنزاف جسدي، فيما تحدد أنظمة التتبع الحمل التدريبي المناسب، فتقل الإصابات وتزداد الجاهزية.
الجماهير بدورها دخلت مرحلة جديدة، لم يعد المشجع يكتفي بمقعد في المدرجات أو أمام الشاشة الإعادات فائقة الجودة، زوايا التصوير 360 درجة، والتطبيقات الغنية بالإحصاءات اللحظية جعلت التجربة أكثر تفاعلاً.
سوق الانتقالات لم يكن بمنأى عن هذه الطفرة، الأندية اليوم لا تقيم اللاعب بأهدافه فقط، بل ببياناته الرقمية :"قدرته على التحمل، احتمالية إصابته، ومستقبله المتوقع"، الأرقام هي التي ترفع قيمته أو تقللها، وهي التي تحدد قيمة العقد وامتداده بعض العقود باتت مشروطة بأنظمة مراقبة رقمية ترصد التزام اللاعب داخل الملعب وخارجه، وهو ما فتح نقاشاً واسعاً حول الخصوصية والحقوق.
اقتصاد الرياضة بدوره تبدل، الأندية لم تعد تعتمد فقط على الرعايات وتذاكر المباريات، المحتوى الرقمي الحصري، التطبيقات التفاعلية، وحتى الرياضة الإلكترونية أصبحت مصادر دخل موازية الأخيرة تحديداً تحولت إلى صناعة بمليارات الدولارات، دفعت الأندية التقليدية للاستثمار في فرق إلكترونية كجسر يصلها بجمهور جديد من الشباب.
ومع كل هذه التحولات، يبقى التحدي الأهم هو الحفاظ على روح الرياضة الأرقام قد تمنح دقة، والتقنيات قد تضيف إثارة، لكن القيمة الحقيقية للعبة تكمن في المشاعر :"فرحة هدف في اللحظات الأخيرة، خيبة خسارة غير متوقعة"، وذكريات تبقى في وجدان الجماهير التكنولوجيا أعادت تشكيل الرياضة، لكنها طرحت سؤالاً جوهرياً: "كيف نواكب ثورة الأرقام من دون أن نفقد إنسانية اللعبة التي أحببناها؟."

