الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٧:٥٧ م-١٣ أغسطس-٢٠٢٥       15015

بقلم: علي بن عيضة المالكي
صحيح أنّ  الفساد  غالبًا هو أمّ القضايا لأنه يتسلل إلى كل شيء: الاقتصاد، العدالة، التعليم، وحتى ثقة الناس في الدولة، خطورته أنه لا يُرى بسهولة مثل الجريمة التقليدية، إنما يختبئ خلف المناصب والقرارات والمعاملات، فيُبطئ التنمية، ويهدر الموارد، ويفتح أبواب الظلم والمحسوبية.

والأخطر أنه إذا لم يُواجَه من الجذور، يتحول إلى ثقافة غير معلنة في المجتمع، فيصبح (الأمر العادي) أن تُنجز مصالحك بالواسطة أو تدفع رشوة، وهذا أخطر من  الفساد  نفسه لأنه يقتل فكرة العدالة في العقول قبل أن تُقتل في القوانين.

نحن ومنذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ مقاليد الحكم ووضِعت أساسات الرؤية الطموحة وقواعدها التنفيذية وآليات العمل بها بات الكل يشاهد بصورة يومية كيف تتسارع خطى التنمية وتستقيم شؤون الناس وتتعاظم معها أدوات المحاسبة وتُفرض العقوبات، لذلك صار من الضرورة على كل شخص ينتسب لوظيفة أو منصب أو تسند له مهام ومسؤوليات وتقع تحت يده الصلاحيات وُيمنح المساحة الكافية لمباشرة مهام عمله، عليه استيعاب مصطلح النزاهة بمعناها ومضمونها الحرفي   والعمل على تحويلها لأن تصبح حجر الأساس الذي تُبنى عليه الدولة القوية. فالفساد ليس مجرد خلل إداري أو تجاوز فردي، غير أنه مرضٌ يفتك بجسد الأمة ويقوض ثقة المواطنين في مؤسساتهم.

من هنا، تأتي دولة الحزم لتعلنها بوضوح: لا حصانة للفساد، ولا تسامح مع المفسدين، فالعدالة مبدأ ثابت، وسيادة القانون خط أحمر لا يُمس. إنها معركة وعي وإرادة، حيث تتشابك قوة القانون مع قبضة الحزم لتطهير المؤسسات، وصون مكتسبات الوطن للأجيال القادمة.

الفساد ليس مجرد قضية ضمن قضايا الدولة كما أسلفت في بداية النص، بل هو القضية الأم التي تتفرع منها أزمات أخرى: ضعف التنمية، اتساع فجوة الفقر، تراجع الثقة في العدالة، وهجرة العقول. فهو يلتهم الموارد بصمت، ويعطل الإصلاحات، ويجعل القوانين عاجزة أمام قوة النفوذ والمال غير المشروع. لذلك فإن مكافحته ليست ترفًا سياسيًا أو خيارًا إداريًا، بل معركة وجودية تحدد مصير الجميع؛ فالدولة التي تهزم  الفساد  تفتح أبواب المستقبل، أما التي تتهاون معه فهي تحفر قبرها بيدها.

بطبيعة الحال مكافحة  الفساد  في أي مجتمع ليست مجرد إجراءات بيروقراطية أو حملات إعلامية، بل هي منظومة متكاملة تبدأ بالشفافية، وتستند إلى التشريعات الصارمة، وتُدعَم بآليات رقابية فعالة. القبضة الحديدية هنا لا تعني القسوة المجردة، بل الحزم العادل الذي يساوي بين جميع الأفراد أمام النظام، مهما كانت مناصبهم أو نفوذهم. فحين يدرك كل مسؤول أن منصبه ليس حصانة، وأن الثقة الممنوحة له أمانة لا امتياز، تتقلص مساحات  الفساد  حتى تختفي.

وتاريخ الأمم يثبت أن الدول التي نجحت في القضاء على الفساد، لم تفعل ذلك إلا حين ربطت بين قوة الأنظمة والإرادة السياسية الحازمة. فالقوانين مهما بلغت دقتها، تفقد قيمتها إذا لم تجد من يطبقها بلا تهاون. وهنا يبرز دور القيادة الرشيدة التي تجعل من مكافحة  الفساد  جزءًا من هوية الدولة، لا مجرد ملف طارئ على طاولة القرارات.

آخر منعطف

إنّ مواجهة  الفساد  ليست خيارًا سياسيًا مؤقتًا، بل التزام وطني دائم يرسخ قواعد الدولة الحديثة ويحمي مسارها نحو المستقبل. فحين يدرك كل فاسد أن القانون سيلاحقه بلا هوادة، وحين يثق كل مواطن أن النزاهة هي القاعدة لا الاستثناء، وقتئذٍ نستطيع القول إننا وضعنا  الفساد  في حجمه الطبيعي: جريمة لا مهرب منها، فا  مملكة الحزم  لا ترفع الشعارات، بيد أنها تصنع واقعًا يكتب التاريخ بمداد العدالة وسيادة النظام فلا صوت لديها يعلو فوق صوت العدل ؛ لذا كل من يعتقد أن منصبه يوفر له الحماية من التجاوزات ويمنحه المساحة للظلم والإفساد فلا يظن أنه بمعزل عن العقاب وننصحه ألا يستمر في مساره الخطأ ، فالعقوبات سوف تطبق عليه وسوف يحاسب على كل تفريط في جزئيات الأمانة التي أوكلت إليه ، وليكن شعار الجميع لا تقويض للنسيج الوطني ولا ! لاستغلال المناصب لتحقيق المصالح الشخصية الضيقة.