

بقلم- علي بن عيضة المالكي
في الماضي كانت خدمة العملاء وظيفة تُعطى بعد البيع لتلقي الشكاوى أو الاستفسارات؛ أما اليوم، فقد تحولت إلى عملية متكاملة تبدأ منذ لحظة التعرف على العميل وتمتد طوال دورة حياته مع المنتج أو الخدمة، هذه التجربة شاهدتها بنفسي وأنا أقوم بزيارة لأحد فروع شركة الاتصالات السعودية للتعرف أكثر على خدمة العملاء عن قرب، ومعرفة ما إذا كانت هناك مزايا حديثة لخدمة عملاء الشركة القدماء،التقيت ـ هناك ـ موظفًا لطيفًا يبدو أنه تعلم الكثير من مهارات التعامل مع المستفيدين ، بدا لي ودودًا وصاحب هالة منحه الله القبول في المنطق واللباقة ،هكذا هي المهنية وتلك هي الاحترافية في خدمة العميل.
قدّم لي الخدمة كعميل منتظم واستراتيجي للشركة، قال كلمة شدت إليه الفكر على الرغم من انشغالي حينها بالرد على مهاتفة واردة إلا أني سمعت ما نطقه: " الشركة تفخر بأنك عميل لها منذ أكثر من عقدين" أجبته بالرضى والقبول عما نطقه من حقيقة " فلستُ أي عميل كما يعتقد البعض إنما شريك لديه الولاء المطلق رغم تعدد المنافسين غير أن الاتساق مع مزود الخدمة لا يقارن مع غيره.
لقد أصبحت خدمة العملاء تُمثل صوت الشركة، وتعكس قيمها وأسلوبها في التعامل، أقول لقد أصبحت تمثل صوت الشركة، هذا التحول في المفهوم يعطي إشارة واضحة أن هناك أدوات جديدة لصناعة تجربة مميزة خلقت من خدمة العملاء وظيفية تشغيلية تغيرت مع الوقت لتصبح عنصر قيادي استراتيجي في قيادة الأعمال.
إنه وفي ظل الاقتصاد الحديث والتطورات التقنية والاجتماعية المتسارعة، لم يعد النجاح التجاري يُقاس فقط بحجم المبيعات أو الأرباح السنوية، بل أصبح يُقاس بقدرة المؤسسة على بناء علاقات طويلة الأمد مع العملاء وتحقيق ولاء مستدام. ومع تغير أولويات المستثمرين واتساع رؤيتهم المستقبلية، تطور الفكر الاستثماري ليشمل عناصر كانت تُعد هامشية في السابق، وأصبحت اليوم من صميم عملية التقييم واتخاذ القرار الاستثماري. ومن أبرز هذه العناصر: العنصر البشري
مازال العنصر البشري يلعب دورًا حيويًّا كأداة من أدوات التطور في هذا القطاع الهام الذي يخدم شريحة واسعة من البشر لأنه ببساطة يتفاعل مع احتياجات العملاء بطريقة مرنة وسهلة بصرف النظر (قليلاً) عن مزايا استعمال أجهزة الخدمات الذاتية وما تقدمه من خدمات متطورة إلا أننا لا نستغني عن العنصر البشري في إدارة علاقات العملاء مهما بلغنا من التطور، وعلى الرغم من التقدم التقني، إلا أنه لا يمكننا تجاهل دور العامل البشري في بناء تجربة عاطفية وإنسانية، فموظف خدمة العملاء المدرب والواعي قادر على تحويل تجربة سلبية إلى فرصة وفاء طويل الأمد.
حين تهتم الشركة ببناء تجربة عملاء متميزة، فإنها تُقلل من تكلفة التسويق مستقبلاً، وتضمن قاعدة عملاء تروج للمنتج ذاتيًّا، وتقلل من خسائر الانسحاب أو التحول إلى المنافسين، هكذا يتطور الفكر الاستثماري نحو أفق أوسع وأكثر إنسانية في المقابل عندما ينظر المستثمر أن الشركة قادرة على الاحتفاظ بعملائها لفترات طويلة وأن معدلات الشكاوى منخفضة، فإنّ ذلك يشير إلى استقرار وربحية مستقبلية، هذا الربط الاستراتيجي بين خدمة العملاء وجذب الاستثمارات يمثل عاملاً مهمًا في الاستقرار مع السوق وكذلك قدرة على التوسع في أسواق جديدة والحصول على قيمة تجارية، ومستوى عالي من العملاء، وحيازة سمعة جيدة قابلة للنمو والاستدامة.
لقد أصبح البحث عن رضى العميل، هاجس الشركات الرائدة وشركة الاتصالات السعودية يعبّر عن النوع المتميز في ريادة العمل، وهذا يعتبر استثمارًا في تجرية العملاء، ويمثل استثمارًا في المستقبل واكتسابًا للثقة على المدى الطويل.
آخر الكلام: لكي توسع نشاطك الاستثماري كمؤسسة أو شركة أو حتى كيان ربحي أو حتى غير ربحي يتوجب على القائمين في إدارة تلك القطاعات فتح مساحات واسعة مع العملاء وتقديم التسهيلات اللازمة لجذبهم وإبقاء ولائهم بصورة مطلقة ورفع مستوى التنسيق مع إدارة الموارد البشرية في جهاز وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والجامعات بافتتاح أقسام لتخريج موظفين مؤهلين في قسم خدمة العملاء تحديدًا ويمنحون درجة البكالوريوس مع إعطائهم فرصة مواصلة دراساتهم العليا في أعرق الجامعات العالمية فهذا التخصص لا يقل شأنه عن كثير من التخصصات العلمية التي يتسابق عليها الخريجين كل عام من أجل ضمان توظيفهم بعد حصولهم على الدرجة الجامعية الأولى (ما المانع في أن يصبح لدينا موظفي خدمات عملاء محترفين يقومون بعملهم عن بعد ويفهمون سلوك العميل بدقة وتكون خدمتهم غير مقتصرة على قطاع دون آخر؛ بل في كل القطاعات الحكومية والأهلية برواتب وحوافز مجزية ويعملون على تقديم الدعم على مدار الساعة، ما المانع في أن يكون لدى المدارس موظفين في هذا التخصص يشتغلون في خدمة أولياء الأمور والمجتمع المدرسي ويكونوا حلقة وصل مع الأقسام في الإدارات العليا).
علينا أن ندرك جيدًا أن خدمة العملاء لم تعد ترفًا ولا خيارًا ثانويًّا، بل أصبحت قلب العمل التجاري والإنساني النابض، وفي الوقت ذاته، تطور الفكر الاستثماري ليكون أكثر إنسانية وبعد نظر، واضعًا تجربة العميل في صلب قراراته، ولذلك فإن المشروع أو الشركة التي تسعى للنمو الحقيقي والربح المستدام، لا بد أن تجعل من رضا العميل واستدامة العلاقة محورها الأهم، ومن خدمة العملاء استثمارًا بحد ذاته.