الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٧:٤٧ م-١٤ يوليو-٢٠٢٥       7480
بقلم - د. احمد المنصوري

المنافسة (Competition) الشديدة بين الشركات بالإضافة إلى الرغبة في تحقيق أقصى الأرباح، اوجدت مساحة لإنتاج واستخدام مواد ومنتجات غير صديقة للبيئة، مما جعل عملية التلوث تتسارع وتزداد التحديات البيئية في ظل الحلول التقليدية للمحافظة على البيئة، الأمر الذي جعلنا نتطلع إلى عقول مبدعة، وجهات متخصصة ، ترسم ملامح مستقبلٍ الأجيال القادمة، وتعيد التوازن البيئي لكوكبنا، وأيضا تحقق أهداف الشركات والمؤسسات، فنحن لن نحمي كوكبنا من خلال الحملات التوعوية والشعارات فقط وإنما نحن بحاجة إلى افكار إبداعية وحلول مبتكرة يتم تحويلها إلى أرض الواقع بما يتناسب مع تحقيق الأهداف البيئية.

ويعتبر  الابداع  التسويقي أحد الخيارات الممكنة في تحقيق مستقبلنا الأخضر، لأنه الجسر الذي يربط بين العملاء والحفاظ على البيئة، ويسهم في إحداث التغيير الإيجابي من خلال الطرق والأساليب الابداعية والمبتكرة في تنفيذ الممارسات والاستراتيجيات التسويقية، وهذا المفهوم يعمل على تعزيز المكانة التسويقية (Positioning) للشركات الناجحة وأيضا في صناعة الفارق بالعلامة التجارية، فعلى سبيل المثال من النماذج الرائدة في الاستدامة البيئية، شركة Tesla (الامريكية) التي تركز على إنتاج سيارات كهربائية وتقنيات الطاقة النظيفة، وأيضا مجموعة ماجد الفطيم (الإمارات) حيث تعتبر أول شركة في الشرق الأوسط تحقق الحياد الكربوني في قطاع التجزئة، وكذلك شركة المراعي (السعودية) التي تطبّق نظم ترشيد المياه والطاقة في المزارع والمصانع وتستخدم أنظمة إعادة التدوير وتقنيات الزراعة الذكية، مما جعلها تحصل على شهادات بيئية دولية.

أن عملية الابتكار هي تطبيق الإبداع على أرض الواقع، وتحويل الأفكار الجديدة إلى منتجات أو خدمات تؤدي إلى قيمة ملموسة تحقق أثر واضح، ومن خصائصه الأصالة والملائمة والاستمرارية وأن يكون قابل للتنفيذ، ويعد الابتكار بمثابة ركيزة أساسية في نجاح وتميز معظم الشركات عن المنافسين، ونذكر لكم بعض الأفكار والممارسات للجهات المهتمة في مجال البيئة، وذلك للمساهمة في تعزيز الاستدامة وتميز المنتجات (Products Differentiation) ومنها الآتي:
    التصميم البيئي للمنتجات (Eco-Design)، بمعنى ابتكر منتجات قابلة لإعادة التدوير أو التفكيك بسهولة، أو استخدم مواد عضوية أو طبيعية تقلل الأثر البيئي، كما عملت شركة OAT Shoes التي تنتج أحذية قابلة للتحلل الحيوي منذ تأسيسها في عام 2010 حيث بمجرد الرغبة بالتخلص من الحذاء فإنه يُدفن في الأرض لنحصل بعد ذلك على شجرة أو ازهار.
    الاقتصاد الدائري (Circular Economy)، بمعنى تبني نماذج إعادة الاستخدام والتدوير الذكي، بحيث يتم إطلاق خدمة أعد المنتج للشركة مقابل خصم، وذلك ليتم استخدام المواد القديمة ليصنع منها منتجات جديدة، كما عملت شركةPatagonia  التي تعيد تدوير ملابسها وتحولها لمنتجات جديدة تحت شعار Worn Wear.
    التغليف الأخضر (Eco-Packaging)، بمعنى إعادة تصميم التغليف ليكون قابلًا لإعادة التدوير أو خالٍ من البلاستيك، كما عملت شركة IKEA حيث قللت من حجم التغليف لتقليل الكربون الناتج عن الشحن.

وينبغي على المختص أو المسئول الاهتمام بالعوامل التي تتحكم في نجاح أو إخفاق عملية  الابداع  والابتكار، ونشير إلى ما يتعلق بالجانب التسويقي، فمثلا عند إطلاق منتجات جديدة أو إجراء عملية التحسين والتطوير على المنتجات، لابد من مراعاة توقعات العملاء (Customers Expectation) والتي تمثل مجموعة التصورات والمفاهيم التي يحملها العميل عن المنتجات أو العلامة التجارية، لأن العميل في السابق كان يهتم بالجودة والسعر فقط، أما اليوم فالمنتجات صديقة البيئة أصبحت ضمن احتياجات ورغبات العملاء، وأيضا يتطلع العميل الى المشاركة في الحل والتقييم، فالإبداع والابتكار لا ينجحان بالصدفة، وانما بالاستعداد والتخطيط، ولهذا ينبغي أن تكون هناك بيئة محفزة، وقيادة ملهمة وداعمة لضمان الاستمرارية والنجاح.

هل تعلم عزيزي القارئ أن الشركات التي تدمج  الابداع  والابتكار في منتجاتها وتراعي الجوانب البيئية، فإنها تحظى بثقة العملاء، وتحقق النمو المستدام، وحتى تستطيع الشركات والمؤسسات من تحقيق التميز وتلبية توقعات العملاء، فلابد من استخدام تقنيات وأدوات فعالة مثل منهجية التفكير التصميمي، الذي يعتمد على الفهم العميق للاحتياجات والتحديات، بهدف حل المشكلات وايجاد حلول عملية تكون جزءاً من تجربة العميل(Customer Experience)، وتلامس القيم الإنسانية والبيئية، فقد قامت شركة المياه الوطنية السعودية (NWC) بإطلاق تطبيقات ذكية لرصد استهلاك المياه وتقديم نصائح فورية، بسبب قلة وعي المستهلك بالكمية الفعلية التي يستهلكها يوميًا، والنتيجة بعد تطبيق المنهجية لوحظ وعي بيئي أكبر، وتراجع في الاستهلاك في مناطق عديدة.

يقدم التسويق الابتكاري (Innovative Marketing) حلول مبتكرة تلبي الاحتياجات، وكذلك يعمل على تحسين قنوات التواصل مع العملاء، ويسهم في عملية الابتكار البيئي، وكذلك هناك طرق وأساليب أخرى سوف اعرضها لكم في المقال القادم، اما فيما يتعلق في دعم ونشر ثقافة الابتكار البيئي، فإن قطاع التعليم يعتبر حجر الزاوية في تعليم وتحفيز الطالب على صنع مشروعًا بيئيًا من أدوات معاد تدويرها، وأيضا حث الطالب على المشاركة في الأنشطة والفعاليات التي تتعلق في مجال البيئة، وبذلك فإننا نزرع في الطلبة بذور التغيير، لأن حماية البيئة لا تحتاج دائمًا إلى تمويل ضخم أو تقنيات معقدة، فالإبداع والابتكار ليس حكرًا على الشركات والمؤسسات فقط، بل حتى الافراد يمكنهم صناعة الأثر، فقد تبدأ من فكرة وقرار، ومبادرة صغيرة، حين نفكر بإبداع ونعمل بشغف، ونهدف أن نمنح الأجيال القادمة كوكبًا يستحق الحياة، فلنكن جميعًا صُنّاع تغيير، ولنُبدع من أجل مدن نقية وبيئة نظيفة.