الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٥:٤٤ م-١٣ يوليو-٢٠٢٥       45045

بقلم- الصادق جادالمولى

في مواسم التحوّلات الكبرى تبرز شخصيات لا تأتي مصادفة ولا تمر عابرة؛ إنها تأتي وفي معطفها رائحة القيم، وفي خطواتها ظلّ الرؤية، وفي حضورها حكاية وطن قرر أن يكتب فصله القادم بماء الإصلاح، ومداد الكرامة الإنسانية، ولعل من بين هذه الشخصيات معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتورة هلا التويجري التي برزت بوصفها شاهدًا ومشاركًا في لحظة التحوّل السعودي، وبصوتٍ يُنصت إليه حين يتعلق الأمر بالإنصاف والكرامة.

حين تقلّدت منصبها في هيئةٍ تمثل الضمير الحقوقي للدولة لم تكتفِ بتسجيل حضورها كامرأة تتصدر مشهدًا حساسًا وإنما شرعت منذ اليوم الأول في تثبيت معنى جديد لمفهوم الحقوق، لا بوصفه ترفًا مؤسساتيًا بقدر كونه التزامًا وطنيًا متجذرًا في هوية الدولة وتاريخها، ومُستلهمًا من رؤية القيادة الرشيدة التي وضعت الإنسان في قلب الأولويات.

وفي ظل القيادة الرشيدة لمقام مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي العهد -حفظهما الله- تحوّلت ملفات الحقوق من نصوص في الأدراج إلى مسارات حية، تخضع للمراجعة، وتستجيب للنقد، وتتفاعل مع التطور، ولم تكن معاليها غريبة عن هذه الروح الجديدة فقد أدركت منذ وقت مبكر أن الدفاع عن الحقوق لا يكون بالتصريحات وحدها، وإنما بالفعل المتراكم، والعمل اليومي، وبناء الثقة مع المجتمع.

ولم يكن هذا المسار بمنأى عن التنمية الاقتصادية إذ إن تعزيز الحقوق والحريات العامة، وتمكين الفئات المختلفة وخصوصًا المرأة أسهم في تحسين بيئة العمل، وتوفير مناخ أكثر عدالة واستدامة في سوق الاستثمار السعودي، وقد رافق عمل الهيئة ارتفاع ملحوظ في مؤشرات المملكة على صعيد الشفافية والتمكين والمساءلة، وهو ما يؤكد أن العدل ليس فقط قيمة أخلاقية، بقدر ما هو ضرورة تنموية كذلك تُعزز ثقة الداخل وتفتح أبواب الخارج.

والمتتبع لمسيرتها يجد أن معالي هلا التويجري لا تحب الأضواء المفتعلة، وتدرك أن بعض المهام يكون أثرها أقوى حين تُنجز في صمت، فهي قارئة جيدة لما وراء الأرقام وتمنح كل قضية نصيبها من الاهتمام، دون أن ترفع صوتها على حساب المضمون، وفي كل تحركٍ تمارِس قناعة راسخة: أن حماية الكرامة الإنسانية واجب لا يقبل التأجيل، ومسؤولية لا يمكن التنصل منها.

ولعلّ ما يميز مسيرتها أنها لا تفصل الحقوق عن واقع الناس، ولا تتعامل مع الملفات كأنها طاولة مفاوضات، إنما تنظر إليها كوجوه وحكايات وأمل بإنصافٍ طال انتظاره، والأهم من ذلك أنها تعي جيدًا أن هيئة حقوق الإنسان ليست ساحة صراع بقدر ما هي مساحة إصغاء، ووسيطًا نزيهًا بين مؤسسات الدولة والمواطن وبين النص وروحه والقانون وحياته.

ويلحظ المتابع لمداخلاتها في المحافل الدولية حضورًا واثقًا وخطابًا موزونًا يعكس التزام المملكة بمبادئها، ويُبرز تطورها بثقة هادئة، وتواضع لا يتنازل عن المبادئ، وهي في كل ذلك تحمل صوتًا مؤنسًا لمن تاه صوته وتحفظ للإنسان وجهه مهما اشتدت عليه الأيام، هكذا تتقدّم هلا التويجري في زمنٍ قرر أن يعيد تعريف القوة لا على هيئة صراخ وإنما في هيئة وعي وإرادة وعدالة تعرف أن الإنسان هو المعيار الأعلى لكل ما سواه.