الكاتب : النهار
التاريخ: ١١:٢٤ ص-٠٥ يوليو-٢٠٢٥       9680

بقلم- أحمد صالح حلبي 

مثلت مكة المكرمة نقطة التقاء للتجارة بين شمال الجزيرة العربية وجنوبها، وكانت بحكم موقعها الاستراتيجي تربط بين تجارة دول الجنوب القادمة من الهند وأفريقيا، وممالك الشمال بالشام وفلسطين، وورد ذكر ذلك في رحلتي الشتاء والصيف الشهيرتين اللتين كانت تقوم بهما قريش، التي قال الحق تبارك وتعالى عنها في محكم التنزيل: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}. 

وأن  حاولت المستشرقة الدنماركية باتريسا كرون أو كما يقال ـ باتريشا كرونا ـ ، من خلال كتابها (تجارة مكة وظهور الإسلام) التشكيك في الحقائق القرآنية والعلمية عن مكة المكرمة والرسالة النبوية فكان تشكيكها الاول متمثل في ”رفض ما هو ثابت تاريخيا وجغرافيا حيث ادعت أن مكة لا تقع في مكانها المعروف والمستقر بل تحركها من مكانها على الخريطة؛ فمكة حسب باتريشيا تقع على البحر الميت”، وزادت باتريشيا في نفيها للحقائق، نافيت ”اتجاه الحجيج قبل الإسلام إلى مكة والبيت الحرام وادعت أنهم كانوا يتجهون للأسواق القريبة منها وهي عكاظ وذو المجاز ومجنة، وقامت بشرح مناسك الحج الجاهلي والإسلامي متعمدة إهمال ذكر الطواف والتلبية”، و”رفضت الاعتراف بدور قريش في تجارة الشرق العالمية وأصرت على تهميش دورها ووصفته بالدور المحلي، رافضة لتفسير المفسرين لسورة قريش التي تؤكد الاتجاه الدولي في تجارة قريش قبل الإسلام”، مستخدمة أسلوب السخرية والتهكم لإقناع القارئ بفكرتها عن العرب بوصفهم بالبرابرة، والمسلمين بأنهم وكر لصوص، وحاولت التشكيك في تاريخ معركة بدر الكبرى الثابت وقوعها في السنة الثانية للهجرة بخلط الحقائق وتكذيب المصادر الإسلامية عن تاريخ هذه المعركة، ومن خلال صفحات الكتاب يبرز استخدمها لأساليب المراوغة والتحايل لتخلط على القارئ المعاني وتطمس الحقائق، وقامت بتغطية مغالطاتها بثوب من البحث العلمي التاريخي.

وأحسنت  الدكتورة آمال محمد الروبي ، الحاصلة على درجة الدكتوراه من جامعـة القاهرة عام 1971 في التاريخ القديم اليوناني الروماني, الأستاذ المشارك في قسم التاريخ اليوناني الروماني بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، في كتابها ”الرد على كتاب باتريشيا كرون” (تجارة مكة وظهور الاسلام) بالرد على مغالطة باتريشا للتاريخ، مبينة أن كرون قامت ”بتغيير واستبدال لبعض الكلمات التي وردت في النصوص التاريخية وقدمت نصوصا أخرى مبتورة، وأغفلت متعمدة ذكر المصادر التي تناقض آراءها حتى لا تهدم فكرتها وتقوضها من الأساس، كما قامت بطرح نتائج دون ذكر المصادر التي اعتمدت عليها، واتهمت بعض المستشرقين الذين خالفوا آراءها بأنهم وثقوا بالمصادر الإسلامية وأخذوها على علاتها”، ووقفت الدكتورة آمال على العديد من مغالطات باتريسا، منها ”ما هو ثابت جغرافيا وتاريخيا، والزعم أن مكة المكرمة لا تقع في مكانها المعروف والثابت تاريخيا، وحركتها من مكانها على الخريطة رافضة كل إشارات الكتاب الإغريق والرومان إليها في العصور القديمة”.

وبالعودة للحديث عن أسواق مكة المكرمة فمن ابرزها  سوق الليل الذي كان يفتح ليلا "وقيل سوق الليل بفتح السين لأن قريش كانت تسوق الإبل والحمير من هذا المكان وقيل كان ذلك في زمن مقاطعة بني هاشم، وكانت سوق الليل نشيطة في أيام عمر بن الخطاب"، ويقع في الجهة الشمالية الشرقية للمسجد الحرام، وقد تمت إزالته مؤخرا ضمن مشروع توسعة المسجد الحرام. 

وهناك  (السوق الصغير) وهو أحد أسواق مكة المكرمة المشهورة، ويقع في الناحية الغربية من المسجد الحرام، وقد تمت إزالته  ضمن مشروع الساحات الغربية للمسجد الحرام وأقيم تحته نفق للسيارات سمى بنفق السوق الصغير، ورغم تسمية السوق بالصغير إلا أنه كان يضم الكثير من المحلات التجارية ، فبالإضافة لمحلات اللحوم والخضروات والفواكه، فهناك محلات لبيع الأسماك، وأخرى لبيع الحبوب والبقول وأدوات السباكة والكهرباء، وبعض المطاعم والبقالات المواجهة لباب العمرة لبيع الخبز والجبن والزيتون. 

وتحدث الرحالة بوخارت أحد أشهر رحالي القرن التاسع عشر، عن السوق الصغير، وقال إنه "إذا ما سار السائر في محلة الشبيكة إلى الجنوب، وانحدر قليلا في سيره يصادف ما يسمى بالسوق الصغير الذي ينتهي بباب المسجد الحرام المسماة "باب إبراهيم".

ومن أسواق مكة المكرمة أيضا سوق المدعى، والذي يقال أن عمره تجاوز المائة عام، ويقع في الناحية الشمالية من المسجد الحرام من جهة باب السلام، وقيل إنه سمي بذلك لأنه المكان الذي يقف عنده الحاج يرى منه المسجد الحرام فيدعو الله بما فتح عليه، وعن طريق المدعى يدخل الناس المسجد الحرام عن طريق باب السلام، حيث كان المسجد الحرام محاطا بالمنازل، فهو مكان مرتفع ترى الكعبة عند الوقوف عليه، وقد أُدخل السوق ضمن مشروع توسعة المسجد الحرم. 

ويأتي سوق الجودرية كواحد من أبرز أسواق مكة المكرمة القديمة، وفي كتابه (تاريخ مكة) ذكر الأستاذ أحمد السباعي أن سوق الجودرية نسب "إلى شخص يدعى (جودر) كان يسكن المنطقة وهو من ذوي النفوذ في عهد الدولة العثمانية".