

كتبه/ علي بن عيضة المالكي
مع انطلاقة الإجازة الصيفية تستنفر أغلب الأسر السعودية طاقتها وتبدأ في حزم حقائب السفر استعدادًا لقضاء وقت يبحثون فيه عن الراحة والمتعة بعد عام دراسي قضوه في متابعة التحصيل الدراسي لأبنائهم.
عطلة الصيف بالنسبة للعائلة السعودية تُعد المتنفس الوحيد بعد أحد عشر شهرًا من الجد والاجتهاد والسهر والمداومة على تحفيز الأبناء في الحصول على العلم والمعرفة ، لذا تتجه أغلب تلك العوائل للاستدانة كونها تعتمد على عوائد المرتبات التي يقبضونها من جراء أعمالهم ونظرًا لعدم وجود صندوق مالي يساعدها على الصرف أثناء قضاء أيام العطلة يلجؤون كما أسلفت إلى الاقتراض وبعد تأمين المبالغ اللازمة يؤكدون حجوزاتهم إلى خارج الحدود حيث يقومون بالتواصل مع مكاتب السفر والسياحة ثم تقوم هي بدورها بحجز مقاعد سياحية لهم في إحدى الدول الأوروبية أو دول شرق آسيا أو المغرب العربي وشمال إفريقيا أو بعض دول الخليج بمبالغ مالية قد ترهق الموازنات مما يسبب عجزًا ماليًّا ضخمًا فيما بعد العودة من السفر.
والبعض الآخر يقضيها داخل الوطن في المدن والمحافظات التي يغلب على أجوائها الاعتدال وهذا أيضا له ضريبته على الميزانية الخاصة بالأسرة محدودة الدخل إذا لم تكن غير مستعدة للظروف والمستجدات التي عادة ما تطرأ على الرحلة.
نحن إذن أمام مرحلة تحدي ومنعطف حرج يواجه الآباء والأمهات أثناء تخطيطهم لقضاء العطلة الصيفية بصحبة أبنائهم اسمه الافتقار للسيولة المالية.
إن إنشاء صندوق طوارئ بات ضروريًّا وأمرًا ملحًّا حتى يستطيع الموظف أو الموظفة الصرف منه والإنفاق على احتياجات الأبناء بشكل خاص ودعم موقف العائلة المالي بشكل عام ، هذا يمكن أن يخفف من وطأة الأزمات ويقلل من شدة الالتزامات التي تحصل على المرتبات أثناء قضاء العطل والإجازات.
لقد أصبحنا بحاجة ماسة لمعرفة كيفية إدارة الميزانية في ظل الظروف والمتغيرات التي طرأت على الحياة الاقتصادية بالمجتمع السعودي في السنوات العشر الأخيرة ، فأمسى الآباء والأمهات يجهدون باستمرار لتوفير السيولة الكافية حتى يستطيعوا الصرف منها على أبنائهم وتوفير احتياجاتهم المستمرة طوال وقت الإجازة وفيها يسلكوا طرقًا مختلفة لتأمين ما يلزمهم ويلبي طلبات أبناءهم مما يوقعهم في مشكلات أكبر بعد قضاء العطلة الصيفية، فالكثير منهم يلجأ إلى الاستدانة من الشركات أو البنوك، أو الأفراد المقتدرين ماليًّا وبعضهم يلجأ إلى رهن سيارته ، أو ممتلكاته الخاصة لخلق حالة من المتعة اللحظية!
ولكن هل هذا ضروري ؟
بالطبع ليس ضرويًّا لكنه أصبح شيئًا مفروضًا ساعد في نشوئه النظام الاجتماعي مما جعله يرتقى لأن يصبح أمرًا قطعيًا ينبغي المضي فيه بشكل سنوي .
إن حجم الضغط على المرتبات يزداد عامًا بعد آخر فإذا ما استمر الحال على هذا المنوال فقد يتسبب ذلك في تآكل تلك الرواتب وينذر بعدم صمودها أمام هذا الكم الهائل من الطلبات المستمرة طوال العام على الآباء والأمهات: لذا هم يستسلموا للظروف كرهًا لا طوعًا فيهربوا من ضغط الالتزامات إلى الإرغام على الاستدانة الطارئة كونهم لم يعملوا على تأسيس صندوق مالي من بداية كل عام يودعون فيه مبالغ مالية بصورة شهرية منتظمة.
إن الوعي المالي والانتباه للمخاطر الاقتصادية بات ضروريًّا ، ولم يعد الوضع يسمح بالبذخ، والصرف غير محسوب العواقب، ومن الواجب أن نستفيق قليلاً ونحول بوصلة التفكير إلى زاوية بعيدة التأثير نضمن معها اعتدال في الإنفاق واقتصاد في الاستهلاك ، حتى يسهل علينا فيما بعد رصد التفاصيل بدقة متناهية ، والتغلب على الرغبات وتقليل الاشتهاء والقضاء على شراهة الشراء.
آخر الكلام: لن نجتر كل الكلام والتوجيهات التي يقولها الاقتصاديون بصورة دائمة ، إنما لو بدأنا نفكر بشكل عملي بتقليل حجم المنصرفات اليومية وغيرنا تلك العادات لفترة زمنية قليلة سينشأ عندنا حالة سلوكية تتجلى فيها الثقافة والوعي والإدراك هذا بالطبع يحتاج إلى قوة في الإرادة مع مزيج من الصبر.
إن إنشاء صندوق مالي للصرف منه أثناء الطوارئ أصبح أمره واجبًا في ظل ما يشهده العالم من تغيرات جذرية على المستوى الاقتصادي ومادام كذلك فإنه آن الأوان لتخصيص جزء من الدخل وتأجيل استخدامه لمواجهة الظروف الطارئة ، رغم أننا نعتقد صعوبة ذلك على المدى القريب نظرًا لارتباط الكثير من الموظفين والموظفات بالتزامات عديدة إلا أنه ليس مستحيلاً انتفاء تحققه في حال تم افتتاح مشاريع صغيرة تكون رافدًا اقتصاديًّا تساعد في التحرر من الالتزامات العالية، كما أنه غير متعذر على الموظفين حديثي العهد بالعمل أن يبدؤوا منذ اليوم الأول من تعيينهم في وظائفهم برسم خطط اقتصادية عالية الجودة قبل أن يفكروا ببناء نظامهم الاجتماعي المصغر.
إننا نعتقد أن تقليل النفقات سيمنح الغالبية منهم الاستقرار المالي على المدى البعيد كما أنهم سيكتشفون فرصًا استثمارية واسعة تحقق لهم الربحية وتعزز مكانتهم الاجتماعية و تحافظ على جوانبهم الصحية وتدفعهم للمزيد من التعليم والمعرفة والمساهمة في تهيئة البيئة الملائمة لتطبيق نظام موازنة مالية سهل ومريح يعتمد على قاعدة الصرف بما نسبته 50% على الاحتياجات و30%على الرغبات و20% تبقى مدخرات