

بقلم- شموخ نهار الحربي
في زوايا القلب تنبت أحيانًا وجهات لا تظهر على الخرائط، نرسمها في أحلامنا، ونمضي نحوها بخُطى مُثقَلة بالرجاء، نحمل لها منّا ما يكفي من الأحلام والتمنيات لتبدو كأنها حقيقة ننتظرها في نهاية الطريق، ولكن، ماذا لو كانت تلك الوجهة التي أودعناها أمانينا، مجرد خيالات؟
منذ متى والإنسان يشتهي المجهول؟ يركض خلف الأفق كأنما النور لن يُولد إلا هناك، في الطرف الآخر؟ نحمل قلوبنا كما تحمل السفن أشرعتها، ونبحر صوب مدينةٍ لم نبصرها يومًا، لكننا صدقنا وجودها، نبني المرافئ في عقولنا، وننتظر الوصول، ومع كل خيبة، نقول: لعلّ الطريق قد ضلّ وجهته، أو لعلّنا لم نحسن الإبحار.
لكن الحقيقة المُرة التي لا نُحب الاعتراف بها، أن بعض الوجهات ليست إلا خيالات، نُحبها لأنها مثالية، لأنها لا تخذلنا، لأنها تسمح لنا أن نحلم دون أن نحاسب، نبكي حين لا نصل، ونجهل أن الطريق ذاته لم يكن يومًا يؤدي إليها. كنا نركض خلف فكرة، خلف شعور، خلف وهم صغناه بأنفسنا.
لو كانت تلك الوجهة التي سعينا إليها مجرد خيال، فماذا عن كل الحنين الذي عبّدنا به الطرقات؟ ماذا عن كل التضحيات التي ألقيناها بين أقدام الرحلة؟ هل تذهب هباءً؟ أم تبقى لتُعلمنا أن السعي بذاته قيمة، وأن الركض خلف الضوء، حتى إن لم نمسكه، يجعل منّا أناسًا أكثر إنسانية؟
نعم، قد نكتشف في نهاية الطريق أن لا وجهة تنتظرنا، ولا مدينة تفتح ذراعيها، ولكننا أيضًا نكتشف أنفسنا، نرى حقيقتنا بعد أن ينجلي غبار الوهم، نعيد بناء خريطتنا، ونبدأ من جديد… لكن هذه المرة، بوجهة أكثر صدقًا، أكثر واقعية، لا تُخدّرنا، بل تُحرّكنا لننضج.
فليكن فينا من الشجاعة ما يكفي لنُسلّم بأن بعض الوجهات التي أحببناها لم تكن يومًا سوى خيالات… لكنها خيالات علّمتنا، وربما أعادت تشكيلنا.