الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٤:٠٨ م-١٩ يونيو-٢٠٢٥       8140

بقلم: حسن القبيسي

في كرة القدم، هناك مباريات تتجاوز حدود النتيجة، وتتخطى حساب النقطة المسجلة في جدول الترتيب، مباراة  الهلال  السعودي أمام  ريال مدريد  الإسباني في كأس العالم للأندية 2025، كانت واحدة من هذه اللحظات الفارقة، حيث التقت الواقعية بالتاريخ، والجرأة بالحسابات، وانتهى اللقاء بنتيجة 1-1، لكن القصة الحقيقية بدأت بعد صافرة النهاية.

ما الذي حدث ؟

منذ الدقيقة الأولى، بدا أن  الهلال  لا يهاب  "ريال مدريد" كما يهابه العالم، فريق سعودي، آسيوي الهوية، يخوض أول مباراة له في البطولة أمام أحد أعظم أندية التاريخ، لكنه لم يظهر كضيف، بل كطرف أساسي في المعادلة.

الهلال لم يكن يدافع عن فرصة، بل يهاجم من أجلها، ثلاث فرص محققة في أول عشر دقائق، هدف ملغى، وسيطرة ذهنية على مجريات اللقاء جعلت  ريال مدريد  يبدو كمن يواجه امتحانًا مفاجئًا.

بونو... أكبر من مجرد تصدٍ

عندما تصدى ياسين بونو لركلة جزاء فالفيردي في الدقيقة 88، لم يكن يصد كرة وحسب، بل صدّ موجة التشكيك، كانت تلك اللحظة بمثابة توقيع رسمي على أن  الهلال  لم يكن محظوظًا، بل كان مؤهلًا، بونو أعادنا إلى ليالي أوروبا، لكنه هذه المرة يفعلها بقميص، سعودي، عربي ، آسيوي.

إنه ليس فقط "حارس اللحظات الكبرى"، كما وصفته صحيفة "آس"، بل رجل الفريق الذي يقوده من الخلف بصمت وكاريزما نادرة.

إنزاغي وجرأة البدايات

في أول ظهور رسمي لمدرب  الهلال  إنزاغي، الذي يبدو أنه قرأ المباراة كما يقرأ الروايات الإيطالية الكلاسيكية: بطيئة في تصاعدها، عميقة في مغزاها، وحاسمة في نهايتها.

أمام مدرب شاب مثل تشابي ألونسو، لم يختر إنزاغي المبالغة في الاحترام، بل اختار أن يلعب بطريقته، يضغط، يراوغ، ويخلق الكثافة، خاصة في الجهة اليسرى التي أربكت دفاعات الريال.

ولا يمكن إنكار بصمته: حيث صنع فريق منظم، يعرف متى يهاجم، ومتى يتراجع، ومتى يجعل خصمه يرتكب الأخطاء.

ماذا قالت الصحافة؟ وما لم تقله!

اللافت في هذه المباراة، أن الإعلام الأوروبي لم يتمكن من تجاهل الواقع، عناوين مثل "الهلال يُوقف ريال مدريد" (ليكيب) و"بداية باهتة في ميامي" (آس)، تعبّر عن اعتراف ضمني بصدمة لم تكن متوقعة.

صحيفة "ماركا" الإسبانية ذهبت أبعد من ذلك حين قالت إن  الهلال  "قدّم درسًا تكتيكيًا لريال مدريد"، متسائلة عن هشاشة المشروع المدريدي رغم ملايين الصيف.

لكن ما لم تقله الصحف، أو ربما لم تجرؤ على التصريح به صراحة، هو أن  الهلال  بهذا الأداء كسر الصورة النمطية عن الأندية العربية في البطولات الكبرى، وأثبت أن الاستثمار الفني، والتخطيط الذهني، قادران على سد الفجوة بين الشرق والغرب.

الفارق بين المشاركة والنية في الفوز

الهلال لم يأتِ للبطولة ليشارك، بل أتى ليتحدى، حيث هناك فرق جوهري بين فريق يحضر ليُمثّل، وآخر يحضر ليفرض نفسه فالهلال فرض إيقاعه، لغته، وأسلوبه، ونجح في فرض احترامه على العالم كله.

ما بعد الريال؟

المباراة انتهت، لكن آثارها باقية، تعادل  الهلال  أمام  ريال مدريد  ليس نهاية الرحلة، بل بدايتها،  الهلال  الآن لا يُقاس بكونه "أفضل فريق في آسيا"، بل يُقاس بمدى قدرته على منافسة من هم في قمة الهرم الكروي.

ما قدّمه الفريق في ميامي، يجب أن يكون نقطة انطلاق لمستقبل جديد، ليس للهلال فقط، بل لكرة القدم السعودية، التي أثبتت مجددًا أنها في الطريق الصحيح، ليس عبر الصفقات وحدها، بل عبر المنظومة، والانضباط، والذكاء التكتيكي.

ختامًا

في كرة القدم، أحيانًا تعادل واحد يُساوي أكثر من ألف انتصار محلي.

والهلال، بتعادله أمام ريال مدريد، لم يعادل فقط النتيجة… بل عادل التاريخ بالطموح.