الكاتب : النهار
التاريخ: ٠١:٤٥ م-١٩ يونيو-٢٠٢٥       8525

بقلم- أ. فؤاد بن عبدالله الحمد 

في زمنٍ تتسارع فيه الابتكارات التقنية كما تتقاطع فيه الطموحات العالمية، تبرز المملكة العربية  السعودية  كواحدة من الدول الساعية للريادة في ميدان الذكاء الاصطناعي، لا كطرف تابع، بل كصانع للقرار وموجه للمسار، ومنذ إعلان رؤية 2030، اتضحت معالم هذا التحول؛ إذ لم يكن  الذكاء الاصطناعي  مجرد أداة مساندة، بل ركيزة استراتيجية لمستقبل وطن طموح.

لقد أدركت المملكة مبكرًا أن من يملك مفاتيح التقنية، يمتلك ناصية المستقبل، فانطلقت بخطى واثقة نحو الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتطوير الكفاءات البشرية، وتهيئة البيئة التشريعية الداعمة، لتتحول من دولة مستهلكة للتقنية إلى دولة منتجة ومؤثرة.

رؤية القائد وعبقرية التحول

لا يمكن الحديث عن نهضة  الذكاء الاصطناعي  في  السعودية  دون الوقوف عند مهندس هذا التحول: سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فمنذ إطلاقه لرؤية 2030، وهو يؤكد أن الطموح السعودي لا يعرف المستحيل، لقد أدرك مبكرًا أن  الذكاء الاصطناعي  ليس مجرد مجال علمي، بل مستقبل الأمم، فدفع بقوة نحو دمجه في جميع مفاصل الدولة، من الاقتصاد إلى الصحة، ومن التعليم إلى الأمن، ومن القطاع العام إلى الخاص.

ولم تقتصر توجهاته على وضع الخطط، بل حرص سموه على بناء منظومة متكاملة، تتضمن تسريع التحول الرقمي، وتحفيز القطاع الخاص، وتمكين الشباب، وتوسيع نطاق الشراكات العالمية، مما جعل  الذكاء الاصطناعي  جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني.

سدايا: العقل التقني للمملكة

في قلب هذا التحول، تقف الهيئة  السعودية  للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، بوصفها الجهة المحورية التي تقود المسيرة التقنية، وتخطط للمستقبل الرقمي للمملكة. أنشئت سدايا لتكون الذراع التنفيذي لرؤية المملكة في مجال البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، وتوحيد الجهود التقنية على مستوى الدولة.

وقد حققت سدايا منجزات باهرة، أبرزها:

إطلاق الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي (نسدي) التي تهدف لوضع  السعودية  بين الدول الرائدة عالميًا في هذا المجال.

تنظيم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، التي جعلت من الرياض مركزًا عالميًا للنقاش والتأثير في مستقبل التقنية.

ابتكار تطبيقات وطنية ذكية كمنصة "توكلنا"، التي أدارت الأزمات الصحية بكفاءة عالية.

إعداد وتدريب الكوادر الوطنية عبر مبادرات تعليمية متقدمة، بالتعاون مع كبرى الجامعات والمؤسسات الدولية.

الوعي المجتمعي والتأثير العالمي

لم تكتفِ سدايا بالبنية التحتية والأنظمة الذكية، بل أولت أهمية كبرى لرفع الوعي المجتمعي، حيث أطلقت حملات توعوية، وفعّلت مشاركة الشباب، واحتضنت المشاريع الناشئة، كما ساهمت في بناء صورة ذهنية إيجابية عن المملكة كمركز تقني عالمي.

وفي الوقت ذاته، عملت سدايا على تعزيز التعاون الدولي، وقيادة حوارات عالمية حول الأخلاقيات والضوابط التي يجب أن تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي، بما يحقق توازنًا بين الابتكار والمسؤولية.

خاتمة: من التحدي إلى الريادة

اليوم، المملكة لا تنتظر مستقبل  الذكاء الاصطناعي  بل تسابق إليه، مسلحة برؤية قيادية واعية، وكفاءات وطنية متجددة، ومؤسسات رائدة مثل سدايا، لقد تحوّل الحلم إلى مشروع، والمشروع إلى واقع يُحتذى به.

ويبقى السؤال: هل نحن كمجتمع جاهزون لنكون شركاء فاعلين في هذا التحول؟ فالذكاء الاصطناعي ليس حكرًا على النخب، بل فرصة مفتوحة لكل من أراد أن يتعلّم، ويُبدع، ويُسهم.