بقلم- ثامر ابن سعران السبيعي
في عالم تتداخل فيه المصالح وتتشابك التحالفات، تبرز المملكة العربية السعودية كنموذج رائد في السياسة الخارجية التي تجمع بين القيم الأخلاقية والمصالح الوطنية، حيث تُعطى الأولوية للأخلاق على مبدأ المعاملة بالمثل، يعكس هذا النهج المتجذر في القيم الإسلامية والعربية التزام المملكة بدور إنساني وتاريخي يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة، مما يساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي.
لقد أثبتت المملكة، على مدار عقود، أن سياستها الخارجية لا تقتصر على تحقيق المصالح الذاتية، بل تمتد لدعم الشعوب المنكوبة وتعزيز التضامن الإنساني، فعلى سبيل المثال، قدم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، منذ تأسيسه في عام 2015، مساعدات تجاوزت قيمتها مليارات الدولارات لأكثر من 90 دولة، سواء في مواجهة الكوارث الطبيعية مثل زلزال تركيا وسوريا عام 2023، أو الأزمات الإنسانية كالأوضاع التي يعاني منها الشعب اليمني، تأتي هذه المساعدات، التي تشمل الغذاء والدواء والمأوى، بدون أي شروط سياسية، مما يعكس التزام المملكة بمسؤوليتها الأخلاقية تجاه العالم.
وفي صميم هذا النهج، تتجلى القضية الفلسطينية كمثال بارز على التزام المملكة بالمبادئ العادلة، من خلال دعمها المستمر للسلطة الفلسطينية ووكالة الأونروا وإرسال المساعدات الإغاثية إلى غزة والضفة الغربية، تؤكد المملكة موقفها الثابت في دعم الحق الفلسطيني، كما تبرز مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي طرحها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كنموذج للسعي نحو حل عادل يحترم حقوق الشعب الفلسطيني دون انتظار مكاسب سياسية مباشرة.
تتجلى الرؤية الأخلاقية أيضاً في جهود المملكة الدبلوماسية لتحقيق السلام والاستقرار، ففي عام 2023، استضافت المملكة محادثات جدة بين الأطراف السودانية لوقف إطلاق النار، في خطوة تهدف إلى تخفيف معاناة الشعب السوداني دون السعي لنفوذ سياسي، كما تستمر المملكة في تقديم الدعم الاقتصادي لدول عربية مثل مصر والأردن، من خلال ودائع مالية ضخمة في بنوكهما المركزية، مما يعزز استقرارهما الاقتصادي دون اشتراطات سياسية صارمة.
تُعبر هذه السياسة، التي تضع الأخلاق في صدارة الأولويات، عن رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى بناء شراكات دولية قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون البناء، ورغم تطبيق المملكة مبدأ المعاملة بالمثل في بعض المجالات التجارية، فإنها تتجاوز هذا المبدأ في المواقف الإنسانية والسياسية، مؤكدة دورها كقوة استقرار في عالم مضطرب.
إن هذا النهج الأخلاقي في السياسة الخارجية السعودية ليس مجرد موقف دبلوماسي، بل هو امتداد لقيم المملكة وتاريخها العريق في خدمة الأمة العربية والإسلامية، ومع استمرار المملكة في لعب دور محوري في المحافل الدولية، يبقى التزامها بالأخلاق قبل المعاملة بالمثل شهادة على رؤية دبلوماسية متميزة، تسعى لعالم أكثر عدالة واستقراراً.