بقلم- علي بن عيضة المالكي
من غير شك يبقى هطول المطر حكاية مختلفة، هذا أمر مفروغ منه ، وحده الغيث يأخذك إلى عالم موازي من المتعة ويبقى أثره جميلاً، ورائحة قطراته تكون أطيب على أغصان الشجر ، تحت زخات المطر كل شيء يكون مختلفًا، أما النسيم الذي يأتي بعده فحدّث عنه الطيور والبلابل وحمائم السلام حين تسمع أصواتها تجرّ الأمل والتفاؤل ، حدّث به انعكاس ضوء الشمس على الأزهار ، وانكسار أشعتها الذهبية على وريقات الشجر ، حدّث به أصوات الأطفال وهم يقفزون هنا وهناك فرحين بذاك الهتّان الذي يبلل الأجساد العطشى فترتوي منه ، وذلك الرذاذ المتطاير على أجفانهم وأحداق أعينهم الممتلئة بالحياة، حدّث به تلك النفوس التي اغتسلت من الأدران، وذهبت لكي تحتفل بجريان الماء على ضفاف الوادي، مع الغيم حين يعانق قمم الجبال ،تلهو مع الضباب حين يهبط فرحًا على الأرض، ويغطي الطرقات؛ ليمنحها شعورًا ساحرًا بأن الحياة عادلة خاصة حين تُرى الابتسامة ترتسم على الثغور فتخبرك أنها تشاهد جمال ووسامة الباطن وتعكس أدبيات وفروض الحُسن.
يبقى للمطر أثرًا جميلاً ، معه تحيا النفوس ، وتعشب المسطحات وتخضرّ، ويورق النبات، وفوقها تعود الأرض قابلة للعيش وممارسة الحياة، كل هذا بسببه وهذه آثاره.
هذا عن المطر!
فماذا عن الإنسان ؟ ماذا عن الكائن المتفرد الذي لو تفكر قليلاً في حياته وجعل انهمار المطر مقياسًا لرؤية الجمال داخل فكره، وأثره معيارًا لاتساع علاقاته، وأسقط نسائمه على آماله وطموحه، وتفرغ لمستقبله حتى يكون سمة بارزة على شخصيته، وسارع لجني محصول أفعاله، ووضع من نواياه نتيجة، وأهدافه حصيلة وأمارة.
ماذا سيكون المصير والمغبّة؟
سيكون النجاح حليفه ومنتهى الأمر مكسبه.
ألا يأتي مع المطر الخير!
ألا تشرق الشمس مختلفة بعده!
أليس الجمال عنوان الكون حين تنبت الأزهار بعد المطر!
بلى هي كل ذلك!
إذن يتعين أن يكون الإنسان خبيرًا بمصلحته ويسقي أرضية الفكر لتكون أكثر تخصيبًا ويقتلع منها كل الأشواك الضارة والأفكار المتوحشة المؤثرة على عقله، أعني التخلص كليًا من التوجهات المؤذية ، ويغرس بدلاً عنها بذور القيم ويسكب عليها زهور التنوع الثقافي لضمان التفاعل المنسجم مع الآخرين، والإبقاء على قاعدة التعددية حتى يضمن التعلم الجيد ويمنح النفس فرصة لفهم من حولها واستيعاب التباينات والاختلافات لكي يصبح فيما بعد شخصية اجتماعية نافعة، بالتالي يسهل العمل فيما بعد على تطوير المفاهيم المشتركة بما يحقق المساواة بين المكونات الاجتماعية وبذل الجهود التي تحقق التعايش والتسامح واحترام ثقافة الآخرين وتقديرها.
اعلم رحمك الله أن العقل بستان يزخر بأنواع الثمار ولكنه لا يخلو من المتسلقات الضارة، لذا الواجب على الفرد إيلاء العناية التامة لتلك التصورات الجيدة وتسويق ثمار عقله بطريقة هادئة ومفيدة ويعمل باستمرار على تنظيف دماغه من الحشائش البشعة.
إنّ غذاء الأرض الأسمدة وغذاء العقل تحريره من التصلب ونبذ التشدد والتعقيد الذي لا يخدمه في شيء.