

بقلم- عيسى المزمومي
في زمن باتت فيه الجماهير تبحث عن المعنى، لا عن مجرد التشجيع، يسطع اسم بدر تركستاني كأيقونة غير اعتيادية، لا فقط في مدرجات النادي الأهلي السعودي، بل في وجدان كل من آمن بأن الفن يمكن أن يكون له جناحان؛ واحد يحلّق به في فضاءات الإبداع، وآخر يستقر به في قلب الجمهور!
ما الذي يجعل شخصاً مثل بدر، ابن الطائف المأنوس، يتجاوز حدود "الرابطة" ليصبح رمزاً؟ ما سر ذلك الحضور الذي يجمع بين نبرات الصوت، وجمال الكلمة، وهيبة القائد؟ ليست المسألة في كونه رئيساً لرابطة جماهير، بل لأنه فنان بالفطرة، هندسيّ التفكير، موسيقيّ الحس، شاعريّ الحضور، وبالغ التأثير.
حين قرر النجم بدر تركستاني وفريقه إعادة صياغة أغنية شهيرة مستوحاة من لحن فريد الأطرش "لأكتب على أوراق الشجر"، ليجعلوا منها أنشودة عشق للنادي الأهلي بمطلع "أخضر يا لون الشجر"، لم يكونوا فقط يصيغون أغنية جديدة، بل كانوا يكتبون فصلاً من هوية جديدة للجماهير العربية، تلك الأغنية لم تكن مجرد كلمات مصفوفة، بل كانت لحظة ولادة لروح جديدة في المدرج، أغنية عبرت القلوب وتجاوزت حدود الوطن، ليصبح صداها في آذان العاشقين من الخليج إلى المحيط.
وهنا تتجلى الفلسفة الكامنة في شخصية بدر؛ فلسفة العودة الواعية، والمسؤولية التي تسبق المجد، والإيمان بأن الجمهور ليس تكراراً صوتياً لما يحدث في الملعب، بل صانع حقيقي للهوية والروح.
أبو خالد، قد تراه في الميدان يهتف ويقود، لكنه في الحقيقة يقود ما هو أعمق: يقود معنى الانتماء، ويشعل شمعة الذاكرة الجمعية لعشاق ناديهم، صوته الذي يخترق المدرجات ليس مجرد طبقة صوتية عذبة، بل هو نداء أصيل من القلب إلى القلوب، نداء لا يُنسى!
ولعل ما يزيد الصورة بهاءً أن بدر ليس فقط فنانًا وصوتًا وأديبًا، بل هو أيضًا مهندس يحمل شهادة أكاديمية، يُجيد تصميم الأنغام كما يُجيد قراءة الخرائط، تلك الثنائية بين الدقة العلمية والعاطفة الفنية تصنع منه شخصية نادرة التكرار.
إن المبدع "بدر تركستاني" لا يشبه أحدًا، لأنه ببساطة لا يقلّد أحدًا. هو نسيج خاص، متفرّد، وكأنما وُلِد ليكون صدى لجيل كامل يبحث عن المعنى وسط ضجيج الأهازيج، هو أيقونة لا تُصنع في ورش الإعلام، بل تُصاغ من نبض الجماهير، وعرق الإبداع، ونقاء النية.
ربما لا نحتاج أن نسأل لماذا أحبته الجماهير، لكن ربما يجب أن نسأل: كيف يمكن أن نكرّس في كل نادٍ عربي "بدرًا" جديدًا؟ نحتاج لمن يُشعل في مدرجاتنا شرارة الروح، ويعيد لنا الإيمان بأن الفن، حين يُقدَّم بحب، يمكن أن يكون أكثر من أغنية، يمكن أن يكون ثورة... من نوعٍ آخر.
يا ناس...الوفي بدر تركستاني... ليس مجرد اسم، بل حالة!

