

بقلم: أ.منى العليان
لم تكن سوى صفقة عابرة، أو هكذا ظن الجميع مبلغ كبير دخل في لحظة إلى نظام مصرفي، تحرك من حساب لآخر كأنه مال نظيف. لكن خلف هذه الأرقام، كانت القصة مختلفة تمامًا.. قصة لا تحمل عنواناً واضحاً، بل تبدأ من الظل، وتنتهي في قلب الاقتصاد. غسل الأموال، هذه الجريمة الصامتة، لا تطرق الأبواب ولا تترك آثاراً واضحة، لكنها تهدم من الداخل. هي الجريمة التي ترتدي ثوب الشرعية، وتُلبس المال غير المشروع قناعاً من النظام والانضباط ولأنها لا تقتصر على طبقة أو فئة، بل تمتد آثارها إلى الجميع، فإن التوعية بمخاطرها لم تعد خياراً، بل ضرورة وطنية وأمنية. التأثيرات الخفية .. والنتائج الصادمة؟ غسل الأموال ليس مجرد تحويل رقمي أو صفقة مشبوهة، بل سلسلة من الأضرار التي تضرب المجتمعات في عمقها:
- زعزعة الاستقرار الاقتصادي: دخول أموال غير مشروعة إلى النظام المالي يؤدي إلى اختلالات في السوق، تشوّه التنافس، وتفتح باباً للتضخم، وتهدد استقرار العملة.
- تمويل الجرائم والإرهاب: في كثير من الحالات، لا تكون الأموال المغسولة نهاية الجريمة، بل بداية لجرائم أكبر .. من تجارة المخدرات، إلى تهريب البشر، إلى تمويل الجماعات المتطرفة.
- إضعاف الثقة الاستثمارية: حين تنتشر هذه الجريمة في دولة ما، تهتز ثقة المستثمرين، ويتراجع تدفق الأموال الشرعية، فيخسر الاقتصاد فرصاً كان من الممكن أن تغيّر واقعه.
- نشر الفساد: يسعى مرتكبو غسل الأموال إلى النفوذ والحماية، ما يفتح أبواب الفساد الإداري، والتلاعب بالقوانين، واستغلال المناصب.
كيف نحمي المجتمع من هذه الجريمة؟ لا يكفي أن نتحدث عن الخطر، بل علينا أن نكون جزءًا من الحل. ولكي نواجه هذه الجريمة بفعالية، لابد من تضافر الجهود بين الدولة، والمجتمع، والقطاع الخاص:
- نشر الثقافة القانونية: يجب أن يعرف كل فرد ما هو غسل الأموال، وما هي عقوباته، وكيف يمكن التمييز بين النشاط المشروع والمشبوه.
- الإبلاغ عن الأنشطة غير الطبيعية: المواطن الواعي هو خط الدفاع الأول. الإبلاغ عن أي تحركات مالية مريبة، أو حسابات لا تتناسب مع الدخل الظاهر، يمكن أن يمنع كارثة اقتصادية.
- تعزيز الشفافية في المؤسسات: على البنوك والشركات أن تلتزم بإجراءات صارمة في التحقق من العملاء، ومصادر الأموال، وأن ترفض أن تكون أدوات في يد من يغسل المال خلف الكواليس.
في الختام غسل الأموال ليس مجرد خلل مالي، بل جريمة تمس أمن الدولة واستقرارها. قد تبدأ برقم، لكنها لا تنتهي عنده. وكلما رفعنا الوعي، وكلما أدركنا أن خلف كل مبلغ مشبوه قصة لا نراها، زادت قدرتنا على حماية مجتمعنا واقتصادنا من الانهيار الصامت. وفي هذا السياق، لا يسعنا إلا أن نشيد بالجهود الكبيرة التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – في ترسيخ مبادئ الشفافية، وتعزيز منظومة النزاهة، وتجفيف منابع الفساد وغسل الأموال. فقد وضعت رؤية المملكة 2030 مكافحة هذه الجرائم على رأس أولوياتها عبر تعزيز الرقابة، وبناء مؤسسات قادرة على التصدي لكل مَن يحاول العبث بأمن الوطن واستقراره المالي. فليكن وعيك أنت هو السطر الأول في رواية المواجهة .. من أجل وطن آمن، واقتصاد نزيه، ومجتمع لا تُخفى عليه القصص التي لا تُرى.