

بقلم / موضي العمراني
كم من قلوبٍ ارتوت من نهر عطائنا، ثم عطشت عند أول خلاف، وكم من أيادٍ امتدت بألطافنا، ثم ارتعشت بالجحود حين احتاجت إلينا مجددًا. ليس أشد على النفس من أن يُنسى الجميل كأنه لم يكن، وكأن الأيادي التي امتدت بالمودة لم تترك أثرًا في ذاكرة العابرين.
نكّار المعروف، أولئك الذين يأخذون كل شيء وكأنه حق مكتسب، لا شكر فيه ولا تقدير، ولا حتى التفاتة امتنان. يمرون في حياتنا مثل طيفٍ عابر، يأخذون ما يشاؤون، ثم يختفون، وحين نحتاج إليهم، لا نجد إلا الفراغ البارد.
لكن، أيُجرح البحر إذا شرب منه الجاحدون؟ أيذبل العطاء إن لم يُقابل بالشكر؟ كلا، فالعطاء خُلق لأهله، وأهل العطاء لا ينتظرون جزاءً ولا شكورًا، لكنهم يخذلون، يوجعهم الصمت حيث كان يجب أن يكون الامتنان، ويؤلمهم الجفاء حيث كان يجب أن يكون الوفاء.
ومع ذلك، نمضي… نعطي ونمنح، لأن الشمس لا تكف عن الإشراق، ولو قابلتها نوافذ مغلقة، ولأن النهر لا يحبس ماءه عن منكرٍ لجوده. فلنترك نكاري المعروف يغرقون في جحودهم، ولنبقَ نحن كما نحن… نمنح لأننا نحب العطاء، لا لأننا ننتظر ردّ الجميل.