الكاتب : النهار
التاريخ: ١٠:٠٦ م-١٦ مارس-٢٠٢٥       11550
بقلم - إبتسام حمدان
 
في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم اليوم، بات من الملاحظ أن القيم المجتمعية قد شهدت تحولًا جذريًا في نظرتها إلى النجاح والمكانة الاجتماعية. أصبح البعض يتساءل: لماذا يعتلي الأشخاص السطحيون مناصب قيادية ويحصلون على التقدير، بينما يُهمَّش أصحاب الفكر العميق والثقافة الواسعة؟ هل انعكست الموازين، وأصبح الفراغ أكثر قيمة من الامتلاء؟

سطحية المحتوى وعمق التأثير

في عصر الإعلام الرقمي، أصبح تسليط الضوء على الشخصيات الترفيهية والسطحية أكثر من تسليطه على العلماء والمفكرين. لم يعد المقياس الحقيقي للنجاح هو مستوى المعرفة أو الإنجاز العلمي، بل بات يعتمد على مدى قدرة الشخص على جذب الانتباه، حتى لو كان ذلك من خلال تصرفات غير لائقة أو محتوى فارغ. هذه الظاهرة أدت إلى تضخم صورة الأشخاص الذين لا يملكون محتوى قيّمًا، في مقابل تراجع ظهور النماذج الواعية والمثقفة.

القيمة الحقيقية مقابل الشهرة الزائفة

لطالما كانت القيمة الحقيقية للفرد تقاس بمدى إسهامه في المجتمع، سواء في مجال العلم، الأدب، أو الفكر. ولكن في العصر الحديث، أصبحت القيم السطحية مثل المظاهر والشهرة الفارغة تطغى على الجوهر الحقيقي. وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا كبيرًا في هذا التحول، حيث أصبح التركيز على عدد المتابعين والإعجابات بدلاً من جودة الأفكار والمحتوى.

المجتمع ومسؤولية التقدير

المشكلة ليست فقط في الأفراد الذين يبحثون عن الشهرة بأي وسيلة، بل في المجتمع الذي يمنحهم هذه المكانة على حساب المفكرين وأصحاب الرؤى العميقة. حين يصبح التافه قدوة، والمثقف مهمشًا، فإن ذلك يعكس خللًا في منظومة القيم المجتمعية. لذا، من الضروري أن يعيد المجتمع النظر في معاييره، وأن يمنح التقدير لمن يستحق بناءً على الإنجاز والفكر، وليس بناءً على الجاذبية المؤقتة أو الضجيج الإعلامي.

كيف نعيد التوازن؟

الحل يكمن في تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية العلم والثقافة، ودعم أصحاب الفكر والإبداع. يمكن تحقيق ذلك من خلال:
    •    تعزيز المحتوى الهادف عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
    •    دعم التعليم والبحث العلمي وتقديم النماذج الملهمة للأجيال الجديدة.
    •    إعادة الاعتبار للقيم الحقيقية وتشجيع الناس على الاهتمام بالمحتوى العميق بدلًا من الانجراف وراء السطحية.

ختامًا

لا يمكن إنكار أن الواقع الحالي يميل إلى تقدير السطحية أكثر من العمق، لكن هذا لا يعني أن الأمور لن تتغير. التاريخ أثبت أن المجتمعات التي تعلي من قيمة العلم والثقافة هي التي تنهض وتتقدم. لذا، يبقى التحدي أمام كل فرد في أن يكون جزءًا من هذا التغيير، وأن يسهم في بناء مجتمع يكرّم الفكر، ويمنح القيمة الحقيقية لمن يستحقها