جمعان الكرت
حكاية شعيبي وجبل التيس
بقلم جمعان الكرت
على متن الجبل اختطا لهما مسارًا مبهمًا و متعرجًا ، حفظته الصخور كنقش غائر، شعيبي بجسده النحيل يرتقى الصخور الزرقاء برشاقة نمر عربي، يملأ رئتيه بعبق نباتات الجبل العطرية يسوق أغنامه لترعى الأعشاب ، فتاة الجبل تملأ نفسه حبوراً، ووجدانه حبًا ، ذات ضحى ساق قطيعه وأخذ ينشد بطرق الجبل يلللااال .. يالال لمحته عن بعد استهواها صوته الحاني كانت على مقربة منه شنّف بالطرق أسماعها مرة ثانية وثالثة ، اقتربت لتظلهما غمامة عابرة ممتلئة بالمطر ، هلّت فوق سفح الجبل وانساب الماء كسلاسل الفضة نحو انحدارات منخفضة . لتشارك أشعة الشمس هذا العرس الطبيعي مشكّلة قوساً ضخماً ربط السماء بالأرض بألوان زاهية،
للطيور غناء، وللحب لواعج، وللوقت فرجة ماتعة،
الجبل مصدر أمان، راحا ينسجان بيتًا صغيراً من خيوط الأمل، ويرشان عليه بعبق الكادي،نجوم تحرسه، وآمال تزيده جمالا، ما كان لأحد أن يتخيل أن جبلاً دفعهما لمسار العشق، حتى استنطق العشق مكنونه وامتلات دفاتره بأرقّ الكلمات، النهار لقاء، والليل وعد، والنسيم رسالة ، ولأن الليل يطول فإنه يرجو بقاء الشمس تشع لتحرس عصفورين اتخذا الجبل مكانًا، يزهر الحب وردًا ويورق أزهارًا ، هكذا الجبل الأشم يتعهد بحفظ سرهما ليغردا ويحلقا في فضاء المكان. الليل غدر بهما ومزق خيوط الأمل جاءهم الخبر في كفن أسود ليتركهما ضحيتين بائستين، مرسول جاء بالأمس لتختلّ بوصلة الاتجاه ويتغير المسار نحو طريق مليء بالأشواك مثخن بالأوجاع، فصل الخبر بين العاشق وعشيقته التي لم تدر، كان والد شعيبي يتحدث طالباً يد الفتاة لابنه، ليوافق والدها وكذا توافق لظنها بأنه جاء مرسول من عاشقها وتلكأ الكلام وغيّر الأب ما كان يقصده ..
ذات صباح قاتم وشمس حزينة أخذ طريقه صاعداً الجبل ينفث زفراته، ويحمل أشجار حزنه ، وكانت الفتاة تلاحقه دون أن تعلم عن مغبة ما حدث ليلة أمس، وكلما اقتربت سار في خطوات عجلى إلى طريق آخر، صارفاً وجهه عنها، أصابتها الدهشة لتبدُّل مشاعره نحوها ، تناديه بكلمات مرتعشة ومبللة بالدموع اكتشفت شيئاً حدث ، وجاء الخبر كسهم غادر موجع ، ملأ روحها والشعاب والوادي بغمامة سوداء، جاء صوته مهزوماً مرتعشًا وأنشد بطرق حزين يقول:
"نصيحتي لا تعشقين إلا عوازيب
فان عشق الشيب عيبي
وابن آدمي ماياخذ الا من وفوقه
ياعطر والما يسوقه
حب الخلايق راخياً وأم انت جا فوق"
أصابتها القصيدة كرصاصة قاتلة لتعرف فحواها لترد بكلمات تقطر دماً رافعة صوتها لتنقل أنفاسها ولواعج حبها :
"يافايق التيس رعيانك عوازيب
ما رعاك الا شعيبي
من فايق التيس الذي في حلق دوقة
جُرته تنبان فوقه
والله يعلك بالمطر يافوق يافوق"
قصة ومن بعد هذا مقالة👇🏼
خاطبها بالشعر يقول: بأن عشق الفتاة لكبير السن لا يحقق انسجامًا والانسان عليه الاختيار المناسب بما يتوافق مع سنه وفكره ثم يتدفق الحنين ليعبر عن لواعج حبه بوصفها أنها مماثلة للعطر وأن حبها ليس كالآخرين بل متجلٍ ومرتفع مكانا
لترد وتناشد الجبل الذي يطلق عليه باسم التيس لقصة يعرفها الأهالي بأن الرعاة هم من الذين حلوا به وان حبيبيها شعيبي كان الضوء من بين هؤلاء الرعاة ، لتؤكد مكان الحدث (جبل التيس ) في حلق وادي دوقة بتهامة الباحة ومازالت خطوات العاشق شعيبي واضحة على الجبل وتدعو الله بأن يعيد المطر للواقف فوق الجبل شعيبي..
توضيح:
جبل التيس بتهامة الباحة ترك قصة عشق لم تكتمل كان الجبل أمينًا نقش بصوت العاشقين رسمًا فوق صخور الجبل ليظل شاهداً على قصة حب عذري تبقى محفوظة في دفاتر العشاق على مر الزمان.