الكاتب : النهار
التاريخ: ١٢:٢٢ م-٠٣ اكتوبر-٢٠٢٤       15290

د. غالب محمد طه

منذ إطلاق رؤية المملكة العربية السعودية الطموحة 2030، شهدت البلاد تحولات غير مسبوقة في العديد من القطاعات، وكان قطاع الترفيه من بين أكثر هذه التحولات بروزًا، هذا القطاع الذي كان يعتبر سابقًا جانبًا هامشيًا في حياة السعوديين، أصبح اليوم ركيزة أساسية تعزز الثقافة، الاقتصاد، والمكانة الدولية للمملكة، التحول في قطاع الترفيه يعكس طموحات المملكة في تحويل الخيال إلى واقع ملموس، حيث أصبح الترفيه جزءًا من هوية المجتمع السعودي ويعزز جودة الحياة للمواطنين والمقيمين.

جودة الحياة تُعرَف بأنها مدى رضا الشخص عن حياته بناءً على الصحة، الرفاه المادي والجسدي والعاطفي، فرص تطوير الذات، العلاقات الاجتماعية، والحرية في اختيار أسلوب الحياة، واليوم تعمل المملكة من خلال رؤيتها إلى تحسين جودة الحياة عبر تطوير بيئة العيش وتوفير فرص جديدة تعزز رفاهية الأفراد، تهدف الحكومة، من خلال برامج ومبادرات مختلفة، إلى جعل المملكة مكانًا مثاليًا للحياة، وذلك عبر تحسين الخدمات المقدمة، تعزيز السياحة، ودعم المشاريع الترفيهية.

التحولات الجذرية في قطاع الترفيه تُظهر التزام المملكة بتحقيق أهدافها الطموحة، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك "مواسم السعودية"، التي نجحت في استقطاب ملايين الزوار، ما يعكس الأثر الكبير للقطاع على الاقتصاد المحلي ، فموسم الرياض وحده حقق إيرادات تصل إلى 1.2 مليار ريال سعودي في عام 2023، ما يُبرز نجاح الفعاليات في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني.

إلى جانب المواسم، نجد مشاريع عملاقة مثل "القدية"، وهي واحدة من أكبر المدن الترفيهية في العالم، تمتد على مساحة 334 كيلومترًا مربعًا، المشروع الذي يتضمن متنزهات ترفيهية وميادين رياضية حديثة يُتوقع أن يساهم في توفير أكثر من 70,000 وظيفة عند اكتماله. هذه المشاريع لا تقتصر على الرفاهية فقط، بل تعدُّ محركات اقتصادية توفر فرصًا هائلة للأفراد وتعزز الاستثمارات المحلية والدولية.

التكنولوجيا لعبت دورًا محوريًا في تطور قطاع الترفيه، حيث تم توظيف تقنيات مثل الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) والذكاء الاصطناعي (AI) لتقديم تجارب مبتكرة وفريدة من نوعها، على سبيل المثال، مهرجان "شتاء طنطورة" في العلا استخدم تقنيات الإضاءة والواقع الافتراضي لعرض التاريخ والثقافة بطريقة تفاعلية أبهرت الزوار.

في "مهرجان الدرعية"، تم استخدام تقنيات الواقع المعزز لخلق تجارب ترفيهية تفاعلية جمعت بين الثقافة والتكنولوجيا، مما جذب أكثر من 200,000 زائر في السنة الماضية، هذه الأمثلة كفيلة بظهار أن المملكة تجمع بين الحفاظ على الهوية الثقافية وتوظيف أحدث تقنيات الترفيه.

التحول في قطاع الترفيه لم يكن مجرد تحسين للرفاهية الاجتماعية، بل كان له تأثير اقتصادي هائل. الفعاليات والمشاريع الترفيهية ساهمت في خلق آلاف الوظائف، وجذب الاستثمارات المحلية والدولية، وزيادة إيرادات الدولة. خلال السنوات الخمس الماضية، تم ضخ استثمارات تفوق 10 مليارات ريال سعودي في مشاريع ترفيهية، مما يعكس التزام المملكة بتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.

وعلى الصعيد الاجتماعي، أسهمت تلك التحولات في تغيير سلوكيات المجتمع وتوجهاته الثقافية. الترفيه لم يعد مجرد وسيلة للتسلية، بل أصبح جزءًا من نمط الحياة يعزز الهوية الوطنية ويوسع آفاق المجتمع السعودي نحو مزيد من الانفتاح والتفاعل مع الثقافات الأخرى. مشاركة المملكة في الأحداث الثقافية العالمية، مثل "مهرجان كان" و"الألعاب الأولمبية الشتوية"، تعزز من مكانتها الدولية وترسم صورة إيجابية عن الدولة.

المستقبل يبدو واعدًا لقطاع الترفيه في السعودية، مع استمرار المشاريع الطموحة مثل "نيوم" و"القدية". "نيوم" على سبيل المثال، يهدف إلى أن يكون مركزًا عالميًا للابتكار، ويضم مجموعة من المشاريع الترفيهية والفنية الفريدة التي ستعيد تعريف مفهوم الترفيه.

هذا التوسع يمثل فرصة هائلة لتعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق الأهداف الثقافية والاجتماعية. على الرغم من التحديات الكبيرة، مثل التكيف مع التغيرات التكنولوجية السريعة والحفاظ على الهوية الثقافية في ظل الانفتاح العالمي، تبدو المملكة مستعدة لمواجهة هذه التحديات بنجاح.

في الختام،  ثورة الترفيه في السعودية  لم تعد مجرد خيال، بل أصبحت حقيقة تعكس التحول الشامل الذي تمر به المملكة. من خلال جهودها الطموحة، نجحت السعودية في تحويل قطاع الترفيه إلى قوة دافعة تعزز مكانتها الإقليمية والدولية، وتساهم في تحقيق أهدافها الاقتصادية والثقافية. إن المستقبل يبدو مشرقًا، حيث يستمر قطاع الترفيه في النمو والتطور، مما يحول المملكة إلى وجهة رئيسية للثقافة والمرح على مستوى العالم.