الكاتب : النهار
التاريخ: ١٢:٥٦ م-١٣ يوليو-٢٠٢٤       17545

بقلم - القاصة خديجة الزيلعي

شدني كتاب وريقاته لا تتجاوز الثمانين على ما أذكر شدني إليه عنوانه المنتقى من بين عناوين كثيرة فلماذا هو بالذات كنت قد شاركت في مساحة على منصة X تتحدث عنه مع حساب سرديات سعودية فهذه ورقة بين أيديكم عنونتها ب( عاصفة العاطفة ) هي قراءة في مجموعة قصصية بعنوان شيربروك للكاتبة القاصة / نادية عبدالوهاب خوندنة المحاضر في الأدب الإنجليزي بقسم اللغة الانجليزية جامعة أم القرى وهي كاتبة ومترجمة أدبية حازت على جائزة رواق السرد للقصة القصيرة بنادي جدة الأدبي المركز الثاني والتي بعنوان تيوليب وهي أولى قصص المجموعة التي بين أيدينا وصدر لها كتاب "لطائف المعنى: دراسات في السرد الأدبي السعودي عن دار المفردات للنشر ولها العديد من الأبحاث النقدية المحكمة والمحاضرات النقدية والثقافية العامة التي قدمتها باللغتين العربية والانجليزية لتضيف الإثراء للمشهد الثقافي العربي وردت سيرتها الذاتية في" معجم أعلام النساء في المملكة العربية السعودية " للأدبية أ.غريد الشيخ فأنا في هذه الدقائق ستكون لي وقفة مع هذه المجموعة القصصية ذات الستين صفحة من القطع المتوسط تحتوي على إحدى عشر قصة قصيرة عن مؤسسة الانتشار العربي ونادي مكة الثقافي الأدبي تناولت مواضيع مختلفة لكن يربطها رابط واحد وملاحظ في كل قصة. 

عنونت مجموعتها باسم شارع نابض بالحياة في مدينة مونتريال بولاية كيبيك في كندا حيث يفتخر شير بروك بوجود بعض من الجامعات العريقة مثل ميغيل و كونكورديا وكذلك العديد من المعالم الرئيسية والهامة في المدينة على امتداده، مثل متحف الفنون الجميلة.

ولربما يتسائل القارئ والسامع عن معنى شيربروك فهو يحمل اسم أحد رجالات الجيش البريطاني جون شيربروك , المجموعة حملت نوعا عجائبياً من الارتباطات فمن لحظة عنونتها حتى أخر كلمة فيها وهي مرتبطة بالذكريات والأشخاص والأوطان والآلام التي تجعلها زاخرة بالعواطف فلذلك أسمي ورقتي (بعاصفة العاطفة) "معظم هذه الحكايات مستلهمة من شيربروك، يختلط فيها الواقع بكثير من الخيال، كما تختلط الثقافتان العربية والغربية في بوتقة الإنسانية وهمومها وأحاسيسها، ومن هنا نجد أن بعض هذه القصص تعبر عن كثير من المشاعر والعلاقات التي لا تحدها جغرافية المكان بالضرورة، بل قد يشاركها فيها الكثير من القراء في بقاع أخرى" ومن ناحية ثانية، تنتمي بعض القصص لأدب الجائحة مثل "تيوليب" و "حورانية بينما مسرح الأحداث في قصة "الأنسية"هو مكة المكرمة فقد كتبتها المؤلفة من وحي حنينها الجارف للمدينة المقدسة ولطفولتها فيها وشوقها العارم لها ، أثناء فترة الحجر الطويلة التي قضتها في كندا.

ومن الإهداء يتجلى اسم شيربروك بهيا في أول سطر (صفحة الإهداء) من الجلي تفرد الأمكنة في السرد القصصي مع خوندنة فلقد تردد اسم شارع مونتريال في المجموعة مرتبطا مع ولاية كيبيك ومركز الفنون و مكة والوطن والنافورة وفندق هوليدي ان والحي الصيني وكنيسة نوتردام وباريس و نهر سان لوران وكندا ووهان في قصة تيوليب الفائزة بالمركز الثاني لجائزة رواق السرد ويتكرر تأكيدها للمكان كما في قصة شرفتان وقلب، و شارعي شيربروك الذي تكرر في المجموعة أكثر من مرة ودي كاري وجبل ويستماونت , شارع كوت دي وبلدي الحبيب, مدينة جدة والمملكة العربية السعودية ,الأطلسي, صحراء النفود, الرياض ومستشفياتها في قصة آن الأوان الذي يجمع العنوان بين اسم البطلة وثيمة القصة بين تمازج بديع.

وفي الأنسية جاءت برحة الفلق المكاوية وبعض التفاصيل المكانية نيرة تتربع بين أسطر مليئة بالذكريات المشحونة بالعاطفة المستميتة للظهور للعلن وملامسة مشاعر القارئ وختمت أماكنها بشارع شيربروك الذي احتل مساحة شاسعة من حقول تعبيرها.

وهذا الأمر شدني جدا منذ لحظة قرائتي فهو تعلق بالأماكن وتكوين ما يسمى برابطة المكان أو الصداقة المكانية التي تجلت ظاهرا مع خوندنة فهناك من ما تزال بيوتهم القديمة تسكن دواخلهم رغم الابتعاد عنها لسنين طويلة، وهنالك أناس أبعدتهم الحياة عن من يحبون، لكنهم ما يزالون متمسكين بهم وبتفاصيلهم وذكرياتهم التي لاتنسى, ونراه واضحاً في الأنسية وآن الأوان وتيوليب. 

لابد وأن يكون هناك أمكنة قديمة تحرك فينا كل ما أقفلنا عليه في سراديب الذاكرة، أكان بقصدٍ منا أم بطبيعة حال حركة الحياة التي تمضي بنا وتُسقط منا أشياء عديدة لم ننتبه لها لانشغالنا بالركض خلف الحياة، وحين نعود للأمكنة القديمة بين جنبات الذاكرة ننفض عنها غبار السنوات، نقلبها بين أيدينا ثم نعيدها إلى مكانها بعد أن أظهرنا لها ضعفنا، فقد أثبت الإنسان منذ قديم الزمان ضعفه أمام المكان، منذ أن نظم امرؤ القيس معلقته: «قِفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ»

وربما حتى من قبل ذلك بكثير، فالمكان القديم وإن لم يكن مرتبطًا بالأحبة كما كان في ذلك العصر إلا أنه يبقى توقفًا على الأطلال، نبشًا للذكريات، وتأملاً طويلا في حال الإنسان..

والغربة تُظهر الذكريات بحال صعبة على المغترب وخوندنة في مجموعتها كتبت بلغة سردية سهلة على القارئ ويسطع منها الاشتياق جليا ففي كل قصة منها تتسرب بين الشقوق حمم لاذعة من غربة أم وابنة عن رحم الوطن الذي لا تكاد قصة لم يذكر فيها تعبيرها عن حبها له وكأننا نسمع التنهيدات عند حديثها عنه.

وفخرها بذاك الوطن العظيم على لسانها كشخصية أو حديث شخصيات أخرى مغايرة فكانت الجائحة من أشعلت نيران الغربة فانسابات حبراً بين السطور والشخصيات التي امتعتنا بها القاصة كانت بسيطة في وصفها يناسب القصة القصيرة يكفينا لمحة عنه حتى نفهم موقعه في القصة وتنوعت الشخصيات والأبطال فمرة هي نفسها ومرة رجلا عجوزا ومرة أخرى طفلا كانا يسرقان اللحظات تارة وتارة المشاعر القاسية أو المتألمة أو المتسائلة.

لكن يبقى أهم نقطة في السرد القصصي للقصة القصيرة وهو التسلسل الزمني للأحداث القصير أو ما يسمى بفن الومضة أو الالتقاطة فقد رأيناه في قصة شرفتان وقلب و براءة والإنسية وطوارئ أما باقي السبعة قصص من أصل أحدى عشر قصة فقد كانت هناك قفزات للحدث الزمني بين ذكريات ماضية و حاضر وتكرار كلمات مثل كان وكانت وكنت أما ما أظهر لنا هذه المجموعة على الصفحة البيضاء برأيي هو الجائحة لزمن طويل كان موضوع الوباء تقليداً أدبيا في التاريخ الأدبي، وتناول عدد من الروائيين والشعراء قصصا إنسانية تتراوح بين الألفة والفراق، ومشاعر مَن فَقْدْ أحبتِهم بالوباء، وكذلك المحاصرين في الحجر الصحي أو الخائفين من العدوى أو الفارين من الموت.

فقصيدة شعرية أو قصة أو متن حكائي أو أي عمل روائي، كلها قد تؤرخ لزمن يسهم فيه الأدب بدوره، فلكل جنس إبداعي دوره في خيال القارئ بعد المؤلف. وحين نقرأ الأعمال المشهورة التي أرخت للأوبئة، مثل "الطاعون" لألبير كامو، و"الحب في زمن الكوليرا" لغارسيا ماركيز، و"إيبولا" لأمير تاج السر، نكتشف أكثر عن أزمنة الأوبئة، و نستحضر الظروف الصعبة التي مر بها الإنسان، وكذلك الحال في عصرنا مع كورونا، فالأدب له مساهمته في تأريخ اللحظة وإثراء المجال.

لكل كاتب قصة وتجلت هذة القصة أو الحكاية عندما أظهرت الأستاذة نادية في سردها لتلك الذكريات التي اشتعلت فيما يبدو عندما أتت الجائحة على العالم أجمع فأغلقت الأبواب على الأشخاص فقامت حركة أدبية في تلك الفترة وأسمت مانتج عنها بأدب الجائحة فلقد ترَكَت جائحة كورونا التي اجتاحت العالم بصماتها على الثقافة والشعر وباقي الفنون، وفي جل الأعمال الأدبية التي ظهرت في سياق الحَجْر الصحي، حيث تحولت هذه العزلة إلى وسيلة خاصة للحفْز على الإبداع والتأمل الفكري، وهناك علاقة متشابكة بين العزلة ونشاط اللاشعور والعقل الباطني في تحريك فكر الإنسان نحو الابتكار والتجديد، ويظهر دور اللاشعور في كامل المفاجأة، الذي لطالما يقترن بالكشف الإبداعي.

إني لأرى هذا النوع من الأدب متجلياً بوضوح في جنبات القصص التي سردتها القاصة، فقد كانت قصتيها تيوليب وحورانية تحكي معاناة الحجر والمشاعر التي كانت تقاومها كما قاومت العزلة الجماعية وكيف صورت تصويرا دقيقا عن فضاعة وألم أن تعيش وحيدا وشبح الموت يحلق فوق رأسك. 

وفي كلتا القصتين كانت خوندنة هي البطلة فترجمت لنا مشاعر قلقها بشفافية ووضوح يتجليان في الأزمة التي مرت بها صديقتها الحورانية في قصة حورانية فلربما‭ ‬هذا‭ ‬أول‭ ‬وباء‭ ‬أو‭ ‬جائحة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬تحظى‭ ‬بكل‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬بسبب‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ,‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬الحقيقي‭ ‬للرواية‭ ‬والشعر و القصة أيضًا‭ ‬في‭ ‬تأريخ‭ ‬فترة‭ ‬مؤلمة‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬ومعاناة‭ ‬الإنسان‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الطوفان‭ ‬الموجع‭ ‬ليعرف‭ ‬من‭ ‬يأتي‭ ‬بعدنا‭ ‬كيف‭ ‬عشنا‭ ‬وتألمنا‭ ‬وتحدينا‭ ‬وتغلبنا‭ ‬على‭ ‬هذا‭

‬الفيروس كما أسلفت خوندنة في سردها لتيوليب وحورانية.

وأختم بما بدأت به عنواناً في قصتها شيربروك التي رأيت فيها القاصة وهي تبكي في ذاك الشارع وتلك الحافلة ذات الرقم 24 التي جمعتنا وكذلك التساؤلات على مرأى من السيدة التي حركت فيها المشاعر كما حركتها خوندنة فيَّ كقارئة بسيطة. 

ختاما كانت الورقة معنونة بعاصفة العاطفة لربما توضَّح المعنى بما في المجموعة من عواطف شتى متشابكة.