الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٧:٣٠ م-١٩ يونيو-٢٠٢٤       36905

بقلم | الكاتبة الروائية ريما آل كلزلي

الواقعية السحرية هي نزوع أدبي يهدف إلى الجمع بين الواقعي والغرائبي، مما يقربه من معطيات هذا النوع الأدبي الفريد.
في هذا السياق، تتجلى الحكاية الخرافية كأحد أبرز أشكال الخيال الشعبي، حيث تعبر عن عقيدة أو فكرة خيالية معينة تشد اهتمام المجتمع وتعتمد على الخيال والخوارق. تُعرف هذه الحكاية في العالم الفولكلوري بمصطلح "conte merveilleux" الذي يعني الحكاية العجيبة، وأحيانًا تُسمى بالحكاية السحرية.
رغم تنوع الأسماء، فإن الحكاية الخرافية هو المصطلح الأكثر شيوعًا في الأوساط الشعبية، ويعود بنا إلى عصور تسبق كل تاريخ مدون.

تتميز الحكاية الخرافية بمضمون بسيط مبني على أحداث غريبة تخفي وراءها حقائق عميقة. يقوم البطل في هذه الحكايات بمهمة صعبة تعترضها العديد من العقبات والصعوبات، بالإضافة إلى الشخوص الشريرة والقوى الغيبية. للوصول إلى هدفه المنشود، يحصل البطل على مساعدات تتمثل في الأدوات السحرية والشخصيات التي تعينه في إدراك النهاية السعيدة المحتومة.

توضح هذه الحكايات قدرة الإنسان على اجتياز كل ألم وشر والانتصار عليه، وهي الصورة التي تتجسد في خواتيم الحكايات الخرافية، حيث يعتقد الناس بأنها الصورة الأصلية للحياة، و تأتي هذه الحكايات كتفسير لخبايا الحياة بشقيها الظاهر والخفي، حيث تجمع بين القديم والجديد، وبين الحكمة العميقة والخيال الصرف، وبين الجد والهزل، وبين الدين والإلحاد.
بهذه المضامين، يتحرر الإنسان من قيود واقعه الزمانية والمكانية عبر الخيال، الذي يصارع فيه المعاناة والظلم وينتصر على كل الأحاسيس الأليمة.

تتميز الحكاية الخرافية بجو رومانسي يعبر فيه الإنسان عن أحلامه وطموحاته، مما يجعله يعيش بخياله كمال الحياة التي يستحيل أن يعيشها في الواقع. وهكذا، تسد هذه الحكايات احتياجات العالم الداخلي للإنسان. تعتمد هذه الحكايات على الخوارق والخيال والغرابة التي تتخلل مجريات الأحداث والشخصيات، مما يجعلها تختلف عن الأمور التي تحصل في عالمنا الواقعي. ورغم ذلك، فهي ليست ثرثرة عجائز بلا منطق، ولا هي اختراع صرف، وإنما هي ملك للشعب ونتاج قواه الشاعرية.

هذا ما جسدته معظم حكايات "ألف ليلة وليلة"، حيث نجد هذا المزيج الرائع بين الواقعي والسحري، مما يجعلها نموذجًا فريدًا للواقعية السحرية في الأدب العالمي، لتعكس هذه الحكايات قدرة الإنسان على قهر الصعاب وتحقيق الأحلام عبر الخيال، مما يجعلها تحتل مكانة خاصة في قلوب الناس.

في النهاية، تأتي الواقعية السحرية كوسيلة لتحرير الإنسان من قيود واقعه، حيث يمكنه من خلال الخيال أن يحقق كل ما يعجز عنه في الحياة اليومية، فتبقى حكاياتها خالدة لأنها تعبر عن جوهر التجربة الإنسانية بكل ثرائها وتناقضاتها، مما يجعلها مصدر إلهام للأدباء والقراء على حد سواء.