جيلان النهاري

١٠:٤٦ ص-٢٩ يناير-٢٠٢٤

الكاتب : جيلان النهاري
التاريخ: ١٠:٤٦ ص-٢٩ يناير-٢٠٢٤       26895

كم هي ثمينة وقيِّمة جيرة الأوفياء..

بقلم: جيلان النهاري 

بيوتنا في زمن كان ومضى كانت متلاصقة الجدران لا يوجد فراغ من الأمتار، ولا سور يفصل بينها، كان من يطرق جداره بمسمار يسمع ذاك الطرق جيرانه إن كانوا يمين الجدار أو شماله، كانت نبضات قلوب سكان هذه البيوت المتلاصقة متناغمة في دقاتها مسموعة إيقاعاتها، منظمة حياتها يشاهد ذلك في إنتظام نبضاتها التي تعبر عن كل ذلك سير يوميات هذه البيوت الحية نهارا الهادئة ليلا، السهرانة أنسا وضحكا وأحاديثا في عصاريها الرقيقة نسمات أجوائها، هناك الأمهات في بسطة نسائية فيها القصص والتجارب وتبادل الخبرات بينهن البعض ومناقشة ما هو الأفضل بشكل مبسط وبريء لإستمرار سعادة حياة بيوت بسيطة لا تتجاوز مساحة البيت منها مائة وخمسين مترا مربعا، في مقدمتها فسحة مفتوحة تزورها الشمس نهارا ويطل عليها القمر ليلا وتفتح أبواب وشبابيك غرف البيت على هذه الفسحة لتستقبل الضوء والهواء الرطب، وبين جنبات هذه البيوت الأطفال بأعمارهم المتنوعة السن أولادا وبناتا يمرحون مبتهجين بنشوة الطفولة.

لكل بيت باب يطل على شارع لا يزيد عن ستة أمتار على جنباته نسمع رجال البيوت المطلة على هذا الشارع يتناقشون في مصالح أسرهم ويتناولون مشاغلهم وتحصيل أرزاقهم، وكذلك لا تخلو هذه النقاشات من المزاح النظيف والضحك الرزين، وكل ذلك وهم على أرائك من صناعتهم جالسون عليها بإنتظام وبترتيب يحمل طابع القيم الإنسانية في توقير كبير الجلسة والإنصات لبعضهم البعض في توادٍّ وحب متبادل، ورقي فطري يصور مدى جمال هذه البيوت وأهلها.

كانت الفرحة بينهم كلحن موسيقي يخرج من نوتة موسيقية متناغمة يعزفها كل سكان هذه البيوت المتلاصقة مع ترتيب في دور اللحن 【 الفرحة 】مع البيوت المقابلة لها مكملة توزيع سلالمها الموسيقية المتسلسلة، وفي الأحزان تجد كامل تلك البيوت بجدرانها وسكانها حتى الشارع الصغير الذي يلاقي بأهلها عند خروجهم من منازلهم يلتحفون رداء المواساة والمساندة، ومقاسمة ثقل هم هذه الأحزان حتى تكاد أن تنجلي، وفعلا تنجلي وتبدأ الحياة البسيطة في هذه البيوت التي حزنت بالعودة إلى جمالها في رقيها الفطري.

إنها حياة كل شعوب الأرض التي تعيش جوهر الجيرة الذي يُحَلِّي ويُجَمِّل سلسال عقد هذه البيوت المتلاصقة المتقابلة.

من نعمة الله على الأوفياء أنهم لا يتغيرون في رقي فطرتهم وإنسانيتهم خاصة في هذا الزمن الحديث في تنوع سبل العيش فيه، من تباعد الجدران المتلاصقة عن بعضها، وسِعة الشوارع بين البيوت المتقابلة، فتجد الأوفياء هم هذا الشعب السعودي الجميل، ومازالت لديهم نفس القلوب التي تظهر جمال قيمة جيرة الأوفياء.

هذه الصفات الراقية التي عايشناها في بيوتنا قديما، نحن نعيشها اليوم ظاهرة جميلة وراقية في تلاصق المحافظات والمناطق في هذا البلد العظيم المملكة العربية السعودية، نعيشها في سمو فطرة قيادته ورقي شعبه، فأصبحت تنقلاتنا بين مناطق ومحافظات وقرى وهجر بلادنا تشبه بالتمام والكمال تنقلاتنا الراقية سابقا في بيوتنا القديمة، حتى أصبحنا نتلاقى ببعض ونتبادل رقي النقاشات، وجميل التعاملات والسلوكيات البسيطة فيما بيننا نحن سكان ربوع بلادنا الحبيبة أوفياء لبعض ولقيادتنا ولكل نسمة تتنفس فوق أرض هذا البلد الأمين.