اللواء ركن م -حسين محمد معلوي

١١:٢٢ م-٣٠ ديسمبر-٢٠٢٣

الكاتب : اللواء ركن م -حسين محمد معلوي
التاريخ: ١١:٢٢ م-٣٠ ديسمبر-٢٠٢٣       23815

بقلم: اللواء الركن متقاعد، حسين محمد معلوي

ما زالت إسرائيل منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م، تنفذ حرب الإبادة الجماعية في غزة، وتجر حكومات الغرب إلى الانهيار الأخلاقي والتنكر للمبادئ، التي سنها في دساتيره، بعد أن سجل التاريخ، بأن القيم الأصلية الغربية ذات البريق الإنساني، والتي تدعو إلى الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة، هي التي جعلت الغرب متفوق في حقول التنمية والتطور والإبداع، إلا أنه يتم تدميرها منذ نشأة إسرائيل، بسبب خنوع الدول الغربية وخضوعها لإسرائيل الصهيونية الماسونية، التي تجر الغرب إلى مخالفة وخيانة قيمه ومبادئه، التي سطرها في دساتيره والتنكر لكل ما كان مقبولا وجيدا من تلك القيم والمبادئ التي نادى بها الغرب منذ قرون.

لقد تحول الغرب إلى غرب آخر يسير في مسار غير مسار مبادئه، التي آمن بها مما أصابه بازدواجية المعايير وازدواجية الشخصية، فمن المعلوم أنه يسمح لأي إنسان أو كيان أن يكتب أو يناقش أي موضوع مهما كان ما عدى إسرائيل التي يعتبر انتقادها قولا أو فعلا من إي فرد أو إي مجتمع جريمة يعاقب عليها القانون والكل ملزم لأن يقول شيئا لصالح إسرائيل بل إنه يملى على وسائل الإعلام إملاء ما يجب أن تنشره عن دولة إسرائيل التي وضعها الغرب دولة فوق القانون وفوق قرارات الأمم المتحدة. إن الثوابت التي لا يسمح لأحد بمخالفتها في الغرب هي تلك الثوابت التي صنعتها إسرائيل وسطرتها ولوبياتها ذات النفوذ والسيطرة في أمريكا وأوروبا لتفرضها كعمود ارتكاز في السياسات والدساتير الغربية، والتي تعني أنه لا يجوز لأي كان أن ينتقد إسرائيل بسبب أعمالها الإجرامية في حق الفلسطينيين ومقدسات المسلمين في فلسطين وعلى رأسها المسجد الأقصى، ورفضها تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

إن اللوبيات الصهيونية في أمريكا وبريطانيا وأوروبا تصنف كل من يعارض إسرائيل والصهيونية بأنه محارب للسامية ومؤيد لمذبحة ما يسمى "الهولوكوست" التي نفذها "هتلر" ضد اليهود بسبب خيانتهم لألمانيا.

كذلك فإنهم يصفون من يدافع عن حق الفلسطينيين في أرضهم ويرفض حرب إبادة أهل غزة وتهجير من بقي منهم، بالمعادي للسامية وإسرائيل. 

إن حرب إسرائيل على غزة كانت وبالا على أوروبا وأمريكا لأنه بدعمهم وسكوتهم وتماديهم ومماهاتهم لإسرائيل سقطت كل ادعاءاتهم بأهمية وضرورة تطبيق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال وتقرير المصير. 

بل إن أمريكا وبسبب قيادتها الصهيونية بايدن أعلن بأنه صهيوني بينما ٨٠٪؜ من وزراء إدارته من اليهود الصهاينة.

تقوم عمليا باستعداء العالم الإسلامي الذي وصل عدد سكانه إلى (٢) مليار مسلم وتنظر إليه بنظرة دونية وعدم اكتراث لمشاعره وطموحاته وحقوقه.

لقد خسرت أمريكا تعاطف العرب والمسلمين وكثير من دول وشعوب العالم بسبب موقفها العدائي المؤيد لحرب الإبادة في غزة ضد الفلسطينيين. 

لقد أوقعها هذا التأييد الأعمى في خطأ استراتيجي كبير ومخزي أدى إلى عزلتها عالميا وفقدها ثقة العالم بها كدولة عظمى تقود النظام العالمي الحالي بعدل وإنصاف لأنها اعتادت على استخدام حق الرفض لشل قرارات مجلس الأمن الدولي. لقد كان بإمكان أمريكا أن توقف حرب الإبادة في فلسطين وتفرض حل الدولتين وتكسب احترام شعوب العالم وتقديرها ومساندتها وخاصة الشعوب العربية والإسلامية لتأييدها في البقاء سيدة للنظام العالمي الحالي. 

ولكن ما حدث من خطأ استراتيجي أمريكي ضد العرب والمسلمين قد حولهم إلى أعداء للفكرة الأمريكية التي تريد استمرار الهيمنة والسيطرة على العالم. 

ولذلك لا يمكن للعرب والمسلمين والعالم الحر بعد اليوم أن يفكرون في اتخاذ أمريكا كحليف استراتيجي وحيد بعد مشاركتها في حرب الإبادة في غزة لأنها فقدت مصداقيتها، ولو حاولت أمريكا على سبيل المثال أن تستغل قضية شعب الإيجور وتطلب من العرب والمسلمين

الوقوف معها ضد الصين، فإنهم سيرفضون لأن تجاربهم مع أمريكا كحليف استراتيجي فاشلة ولأن أمريكا لا تخدم إلا نفسها وإسرائيل وقد أساءت للعرب والمسلمين كثيرا مما أدى إلى فقدها لمصداقيتها واحترامها وهيبتها وتأثيرها بكل المقاييس. 

والدليل على خيانة أمريكا لحلفائها وخاصة الدول العربية هي خططها الشيطانية الاستعمارية المتمثلة في تلك الخرائط التي أعدها الصهيوني "برنارد لويس" وأقرها الكونغرس الأمريكي عام "١٩٩٣ م" كوثيقة واجبة التنفيذ لتقسيم الدول العربية إلى دويلات وما زالت هذه الوثيقة معتمدة كمنهج للسياسة الأمريكية إلى اليوم. 

إن صفة الخيانة والتخلي عن الحلفاء وفرض التبعية والهيمنة هي التي جعلت السعودية ترفض التبعية لأمريكا وتتعامل معها بعلاقة "الند للند" بعد أخطاء أمريكا الاستراتيجية القاتلة ومواقفها السلبية المتعددة حيث قرر سمو ولي العهد السعودي أن يبني علاقات استراتيجية متوازنة مع دول كبرى أخرى مع إبقاء العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة تحت المراقبة. 

لقد صدق العرب والمسلمين أمريكا عندما جرتهم لمحاربة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان بحجة أن الروس ملحدين وكفار ويحتلون أرض المسلمين الأفغان وحارب المتطوعون العرب ببسالة هناك بعلم حكوماتهم وانهزم الاتحاد السوفيتي وغادر حلبات الصراع مع أمريكا وأوروبا وتم زواله. وهذا كان نصرا لصالح أمريكا وأوروبا وهو ما تريد أمريكا تطبيقه مع الصين، ولكن ذلك لن يتكرر لأن أمريكا تحتل أرض فلسطين وسوريا والعراق واليمن ولن تغادرها إلا بالقوة، ومن المؤسف أنه عند كتابة هذا المقال {قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أبلغ الكونغرس بأنه اتخذ قرارا طارئا بالموافقة على الفور على بيع بنادق (إم 107) عيار 155 مليمترا والمعدات المرتبطة بها لإسرائيل، وقيمة الصفقة (١٥٠) مليون دولار} ولم تكتفي أمريكا بثمانين ألف طن من القنابل والصواريخ وفيها عدد (٣٨) ألف صاروخ تم إلقائها على غز.

إن أمريكا تستخدم حلفائها للدفاع عن مصالحها وليس مصالحهم ولهذا فإن من الملزم والمهم للعرب والمسلمين أن يعرفوا بأن مصادر التهديد الوجودي ضدهم هي أمريكا واسرائيل وبريطانيا وإيران وأن عليهم بناء عناصر القوة الرادعة لحماية أوطانهم وشعوبهم وكياناتهم لأن ما حدث في غزة دروس مستفادة للجميع.