

محمد سعيد الحارثي
بقلم - محمد سعيد الحارثي
فهذا الصالون ليس حالة مبتدعة في حياتنا ولكنه امتداد لتاريخ طويل وعريق في تاريخ تراث العرب الأدبي لمجالس، وملتقيات أدبية كانوا يحرصون على إقامتها بانتظام بدءا من العصر النبوي.
ومما يروى بأن الصحابي جابر بن سمرة يقول: "جالست النبي أكثر من مائة مرة، وكان أصحابه يتناشدون الشعر، ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت، وربما تبسم معهم" المحدث الألباني المصدر: مختصر الشمائل خلاصة حكم المحدث: صحيح التخريج: أخرجه الترمذي وأحمد.
كما حمل الصحابة مشعل الروح الأدبية، وما توافد بعض وفود القبائل العربية على الرسول في مجلسه وإلقائهم للخطب، والتي تتضمن على اوجز وابلغ الكلام المنثور، ويلقون عليه ما تجود به قرائحهم بأجود الشعر المقفى والموزون، إما لدخولهم في الإسلام أو تأبيدهم لنصرت في رسالته أو لمدحة.
وما إعجاب الرسول بفصاحتهم وحسن كلامهم وجودة أشعارهم، وهو المتذوق لبعض أشعار العرب في عصرة، وخصوصا لشعراء في الجاهلية سماهم بأسمائهم، ولأن الله وهبه ومنحه بإعطائه جوامع الكلم حين يوجز ويثري المعاني، إلا بمثابة المنتدى الأدبي بمجلسه.
وفي حضرته وسيرته العطرة مليئة بمثل هذه المواقف التي وردت فيها، وظاهرة المجالس الأدبية لم تنقطع في أي فترة من فترات تاريخ العرب الممتد والطويل، فحدث عن ذلك ولا حرج، هذا خلافا للعصر الجاهلي التي كانت مجالسهم ومسامراتهم على سليقتهم الأدبية سواء شعرا ام نثرا.
وما اجتماع الشعراء بسوق عكاظ حين يتحلقون حول النابغة الذبياني إلا دليل على ذلك، وتعاقبت المنتديات والمجالس الأدبية في العصرين الأموي والعباسي في مجالس الخلفاء والأمراء وازدهر الشعر والأدب في العصر العباسي وكان في ذروته.
ومن أشهر المجالس الأدبية في تاريخ العرب الأدبي هو مجلس الأميرة الأندلسية الأموية القرشية ولادة بنت المستكفي، ذات الحسن والجمال وهي الشاعرة الماهرة في حسن الكلام لفصاحتها وبلاغتها وشاعريتها، وهي صاحبة منتدى أدبي يتحلق فيه الشعراء والأدباء، ومن الوزراء في بلاط الدولة الأندلسية.
كذلك لا ننسى اشهر الصالونات الأدبية في تاريخنا الحديث، هو صالون الأديبة اللامعة الشاعرة مي زيادة، الذي كان يعقد بمدينة القاهرة، والذي كان من أرقى الصالونات الأدبية في البلاد العربية في أربعينيات القرن الماضي للميلاد، وكان يرتاده كبار الشعراء والأدباء العرب.
ومنهم وأشهرهم امير الشعراء أحمد شوقي والأديب العقاد، وغيرهم من عليه وصفوة القوم، وما سقنا هذه المقدمة، إلا لكي نؤكد بأن هذه المجالس أو المنتديات هي جزء من حركة التنوير عند العرب، والتي كانت مزدهرة في مصر وبلاد الشام والعراق.
وكانت المملكة في بداياتها منذ تكوينها فكانت الحياة الأدبية لا تأخذ الطابع المؤسسي، بل هي كانت عبارة عن اجتهادات فردية من أدباء وشعراء في بعض مناطق المملكة، ليجتمعوا ويلتقوا بالمجالس ليتسامروا بأشعارهم وبأشعار اسلافهم من تراث العرب الأدبي.
ومع التقدم والازدهار التنموي للدولة، وقيام المؤسسات الثقافية التي أولتها الدولة جل اهتمامها فانبثقت منها الأندية الأدبية الثقافية في أغلب مدن المملكة، إلى جانب هذه الأندية قامت المجالس الأدبية الخاصة، يقوم عليها بعض الأدباء المعروفين لدى مجتمعهم.
وكان الشيخ عبدالمقصود خوجة من الشخصيات البارزة والمعروفة، والتي اضطلعت بإبراز الجانب الحضاري لهذا الوطن، من خلال تأسيسه لهذا الملتقى الثقافي الأدبي، والذي يقام مساء كل أثنين من الأسبوع ليحتفي فيه بتكريم رموز من أبناء الوطن ومن الوطن العربي والعالم الإسلامي من علماء وأدباء وشعراء ومفكرين، من الذين أسهموا بإنتاجهم الغزير والرصين لخدمة العلم والثقافة والأدب.

