النهار
بقلم - منى يوسف الغامدي
يشكل التعليم حجر الزاوية لأي مجتمع يسعى إلى التنمية المستدامة والتقدم الحضاري، وتأتي التوصيات الصادرة عن الملتقى الدولي للجودة 2025 لتؤكد أهمية تحويل الأفكار والرؤى الاستراتيجية إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع.
فالتحدي اليوم لا يكمن في صياغة السياسات، بل في تفعيلها بما يحقق أثراً ملموساً ويدعم بناء مجتمع معرفي قادر على مواجهة المتغيرات العالمية.
توقفت كثيراً عند الحديث عن التحول في مفاهيم الجودة من تحقيق رضا المستفيد إلى حالة الرفاه والسعادة المؤسسية لكل من ينتمي للمؤسسة التعليمية وللمجتمع بأسره، كما توقفت عند القيادة الفاعلة المتمكنة والمحترفة ليس فقط من يتقن المهارات القيادية بل من يستطيع التواصل بفعالية ويحفز فريق العمل معه لتكون بيئة العمل محفزة ومنتجة بمعايير جودة وإتقان فائقة.
عدت بذاكرتي منذ بداية عملي في التعليم واستحضرت كل مدير ومديرة عملت معهم من كان محفزاً ومن كان محبطاً ؛ومن كان يمتلك معايير الإنسانية والحرفية في التواصل الإيجابي ومن كان العمل معه متعةً حقيقة حتى وصلت معه بحالة من الانسياب التام في العمل وعدم الإحساس بالوقت بل أتمنى أن تطول ساعات الدوام لأبقى في حالة من السعادة الحقيقية مقترنة بالإنجاز النوعي، وبكل صدق وأمانة تجربة العمل في المدارس الرائدة مع الأستاذ القدير حامد السلمي مدير تعليم البنات بينبع – مع صعوبتها وكثرة مهامها وتكليف جزئي لمدة يومين فقط رسميا ولكني كنت أعمل سبعة أيام الأسبوع كاملة بكل شغف وحب كبير لعملي وكانت هي الأكثر تميزا في مسيرتي المهنية وتركت في نفسي وفي شخصيتي وصقلت قدراتي القيادية وتعلمت منها الكثير رغم كل الممانعة للتغير من قبل بعض القيادات في ذلك الوقت ولكن كان النجاح مبهرا للجميع والتاريخ يشهد بذلك.
وعودة لدور مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم الذي يعد محركا رئيسياً للمعرفة النوعية على المستوى الإقليمي والمحلي والعالمي، من خلال استقطاب الخبراء والممارسين من مختلف أنحاء العالم، واستعراض أفضل الممارسات العالمية، ودعم القيادة الرشيدة في المملكة في تحقيق أهداف رؤية 2030 في التعليم والابتكار المؤسسي.
ويكتسب المركز أهمية خاصة فهو يعكس التوجه الاستراتيجي للمركز نحو الربط بين التنمية الاقتصادية والصناعية والتطور التعليمي، ويجعل من الجبيل الصناعية مدينة نموذجية للتنمية المستدامة والتعليم المتميز.
وشكل توقيع الاتفاقية بين المركز ومعهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة نقطة تحول أساسية لتعزيز التعلم المستمر مدى الحياة في المنطقة، وتمكين المؤسسات التعليمية من الاستفادة من الخبرات الدولية لتطوير البرامج التعليمية، ورفع مستوى الجودة، وتوسيع نطاق التعلم لجميع الفئات العمرية.
كما تؤكد هذه الشراكة على أهمية التعاون الدولي في تعميم الممارسات الرائدة، وتمكين القيادات التعليمية ، وإعداد الكوادر البشرية المؤهلة لقيادة التحول النوعي في التعليم.
ويعد تمكين الطلبة والمعلمين ركيزة أساسية لتحقيق الجودة المستدامة، وذلك من خلال إشراكهم في :
- مجالس الجودة الطلابية ومختبرات التحسين السريع
- تطبيقات الابتكار الرقمي
- عمليات صنع القرار التي تؤثر في سياسات المؤسسة التعليمية
هذا التمكين لا يرفع من مستوى المشاركة الفردية فحسب، بل يعزز روح المسؤولية الجماعية، والابتكار التربوي، والالتزام بمستوى عال من الجودة في جميع جوانب العملية التعليمية.
وقد شدد الملتقى على أن القيادة الفاعلة ليست مجرد إدارة الموارد، بل قدرة على تحفيز فرق العمل، وبناء ثقافة تعليمية قائمة على الجودة، وتعزيز التواصل الإيجابي مع المعلمين وأولياء الأمور.
فالتواصل الفعال يضمن وضوح الرؤية ، ويعزز الالتزام بالمعايير، ويدعم تطبيق السياسات والبرامج التعليمية بما يحقق الأثر المستدام على الطلاب والمجتمع.
إن تفعيل توصيات الملتقى في الميدان التعليمي يعني الالتزام باعتماد معايير الجودة العالمية في الممارسات التعليمية والإدارية، وتبني نموذج التعلم مدى الحياة الذي يواكب التغيرات التكنولوجية والاجتماعية، وربط الابتكار المؤسسي بالتحسين المستمر لضمان نتائج قابلة للقياس والاستدامة، وتعزيز الشراكات المحلية والدولية لتبادل الخبرات ورفع مستوى الأداء المؤسسي.
وهكذا يصبح التعليم أداة حقيقية لصناعة المستقبل، يقوم على التفكير المختلف، ويحقق أثرا ملموسا على مستوى الفرد والمجتمع.
إن تفعيل توصيات الملتقى الدولي للجودة 2025 في الميدان التعليمي ليس خيارا، بل ضرورة استراتيجية لضمان جودة التعليم، وتمكين الطلبة والمعلمين، وتعزيز الابتكار المؤسسي، وتحقيق التنمية المستدامة.
ويظل مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم ركيزة محورية في هذا المسار ليكون منارة إشعاع معرفي وعلمي ساطع الضياء من قلب المملكة العربية السعودية.