النهار
بقلم - محمد الفايز
حين تغيب الكلمة الصادقة، يعلو ضجيج المصالح، وحين تحضر إمبراطورية المال، تتبدّل المعاني، وتُعاد صياغة القيم وفق ميزانٍ جديد لا يعرف للضمير وزنًا ولا للمبدأ مكانًا.
في هذا الزمن، أصبح البعض يرسم مواقفه بلون الرصيد لا بلون الموقف، ويصوغ رأيه على مقاس المكسب، حتى غدا المال هو البوصلة التي تحدّد اتجاه الولاء والانتماء.
ما يؤلم حقًا أن يتحوّل المال من وسيلة بناء إلى أداة تشويه، تُكرَّم به الأصوات المأجورة وتُهمَّش به الكلمة النزيهة، وكأننا أمام مشهدٍ تتراجع فيه القيم ليعلو صوت النفوذ.
لكن الوطن ليس ساحة مزايدة، وولاة أمره لا تُغريهم المظاهر، ولا تُشوّش على نهجهم مصالح العابرين؛ فالقيمة في هذا الوطن تُمنح بالإنجاز، لا بالمال، وبالولاء الصادق لا بالتجمّل الزائف.
ولعل ما أكده سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خير شاهد على ذلك، حين قال: "الملك عبدالعزيز وأجدادنا أسسوا هذه الدولة بدون نفط، وتحدوا الاستعمار البريطاني بدون نفط، ولم تدخل بريطانيا شبرًا من السعودية بدون نفط، وأداروا هذه الدولة بدون نفط، برجال موجودين."
تلك الكلمات تختصر جوهر الحكاية؛ فالمجد لا يُبنى على المال، بل على الرجال والمبادئ التي لا تُشترى ولا تُباع.
لقد أثبتت التجارب أن من بنى مجده على المال سقط بسقوطه، ومن بنى مجده على المبدأ بقي أثره خالدًا في ذاكرة الوطن.
فالمبادئ والكرامة والوطن عصيّة على الارتزاق، لا تُشترى، ولا تُباع، ولا يُلمّعها من جعل من الولاء سلعة.
يبقى الوطن أكبر من كل المزايدات، وأطهر من أن يُمسّ بمصالح المنتفعين.
فالمعادن الأصيلة لا يغيّرها البريق الزائف، والكلمة النزيهة ستبقى أقوى من كل مالٍ زائل.