بقلم - إبراهيم البراهيم
في كل عام، حين يحل يوم المعلم، تستيقظ فينا مشاعر التقدير والعرفان تجاه أولئك الذين حملوا مشعل العلم، وكرّسوا حياتهم لبناء العقول، وغرس القيم، وتوجيه الأجيال نحو طريق النور. فالتعليم لم يكن يومًا وظيفة فحسب، بل رسالة سامية حملها رجال ونساء آمنوا بأن المعرفة هي السبيل إلى الرقي والنهضة.
لم يكن طريق التعليم مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالصعاب والتحديات. ففي الزمن الذي لم تتوفر فيه المدارس النظامية، كان التعليم يعتمد على الكتاتيب والمساجد، حيث يجلس الطلاب على الحصير يتلقّون العلم من معلميهم في ظروف قاسية، لا يعرفون فيها ترف الوسائل الحديثة ولا رفاهية المرافق. ومع ذلك، خرج من تلك البيئات علماء ودعاة وأدباء ساهموا في بناء الهوية الثقافية والدينية للمجتمع.
من بين أولئك المعلمين الروّاد، يبرز أسم الشيخ الحميدي بن عبدالعزيز الرديعان، الذي قدم الى بلدة السبعان بمنطقة حائل ، بطلب من أميرها الأمير سلطان البراهيم، قبل توحيد المملكة العربية السعودية ، ولازالت بعض المخطوطات التي تحمل اسمائهم وكتاباتهم محفوظه حتى الآن ، حيث أوكل إليه مهمة تدريس العلم الشرعي والكتابة لأهل البلدة . لم يكن هذا التكليف عاديًا، بل كان اعترافًا بكفاءته العلمية، وثقةً بأمانته في نقل العلم وغرس القيم.
لكن الظروف السياسية والإجتماعية في ذلك الزمان لم تكن رحيمة بالعلماء دائمًا. فقد اضطر الشيخ ابن رديعان إلى مغادرة بلدة السبعان بحائل متجهًا إلى القصيم، هربًا من بطش حاكم حائل بسبب مبايعة أمير بلدة السبعان وأهلها وعلمائها للملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه- واستضافته في قصره وتقديم العون والمساعدة له ، في قصة تجسّد حجم المعاناة التي تكبدها العلماء في سبيل أداء رسالتهم.
لم تكن مغادرته للقصيم لأجل حياة أفضل، بل كانت فرارًا بالدين والعلم، وصونًا للكرامة ، ومستكملا بها مسيرته العلمية وطلب العلم على يد مشائخها.
ورغم المحن، لم يترك الشيخ ابن رديعان رسالته. فقد شاء الله أن يكون له شرف عظيم حين عيّنه الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – إمامًا للحرم النبوي الشريف، كأول إمام للحرم النبوي الشريف في العهد السعودي. إنها محطة تاريخية تعكس المكانة التي بلغها هذا المعلم الفاضل، وتعكس اهتمام وتقدير ولاة الأمر للمعلم ، وتدل على أن الصبر والثبات على المبادئ يؤتيان ثمارهما.
قصة الشيخ ابن رديعان ليست سوى مثال واحد من أمثلة كثيرة لمعلمين ضحّوا بحياتهم ووقتهم وراحتهم من أجل أن ينهض المجتمع علميًا وفكريًا. ومنهم أيضا على سبيل المثال لا الحصر الشيخ محمود الغربي والشيخ فراج الحميد البراهيم والشيخ صالح السيف والشيخ عثمان الرزيني .
واليوم، ونحن نحتفي بالمعلم، لا بد أن نستحضر هذه النماذج، ونورثها لأبنائنا ، ليدركوا أن ما ينالونه من علم لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة جهد رجال أوفياء، بذلوا كل ما يملكون ليضيئوا لنا الطريق.