

النهار
بقلم: فوز الرحيلي
شهدت المملكة العربية السعودية قبل يومين حدثًا مهمًا تمثل في افتتاح السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، حيث ألقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، كلمة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
هذه الكلمة لم تكن مجرد استعراض لإنجازات، بل رسمت ملامح طريق واضح لمستقبل المملكة، وعبّرت عن رؤية متكاملة تمزج بين الحاضر والمستقبل، وبين التنمية الداخلية والدور الإقليمي والدولي للمملكة.
بدأ سمو ولي العهد كلمته بالتأكيد على النهج الثابت الذي قامت عليه الدولة منذ أكثر من ثلاثة قرون، المرتكز على الشريعة الإسلامية ومبادئ العدل والشورى، وأن هذا النهج سيظل أساس كل سياسات المملكة.
وأوضح أن المصلحة العامة هي البوصلة التي تُوجّه عمل الحكومة، مؤكّدًا أنه لا تردد في تعديل أو إلغاء أي برنامج أو مشروع لا يخدم هذه المصلحة، في إشارة إلى مرونة السياسات وقدرتها على التكيّف مع المتغيرات.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أوضح سموه أن المملكة حققت تقدمًا نوعيًا في مسار تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، وهو هدف جوهري لرؤية السعودية 2030.
فقد وصلت نسبة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 56% لأول مرة، فيما تجاوز الناتج الإجمالي 4.5 تريليون ريال، وهو ما يعكس قوة ومتانة الاقتصاد السعودي.
كما أشار إلى أن المملكة أصبحت وجهة استثمارية عالمية من خلال استقطاب 660 شركة دولية اتخذت من السعودية مقرًا إقليميًا لها، متجاوزة بذلك المستهدفات المحددة في الرؤية.
وأضاف أن نسبة توطين الصناعات العسكرية ارتفعت من 2% إلى أكثر من 19%، إلى جانب توسع الدولة في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي بما يعزز مكانة المملكة كدولة رائدة في الاقتصاد المعرفي.
وأكد سموه أن قوة المالية العامة للمملكة تتيح التوسع في المشاريع الاستراتيجية الكبرى، مع التشديد على أهمية قياس الأثر الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق لضمان استدامة الموارد وتحقيق أفضل النتائج.
ولم يقتصر حديث ولي العهد على الاقتصاد، بل تناول القضايا الاجتماعية التي تمس حياة المواطن مباشرة، مشيرًا إلى انخفاض معدلات البطالة وارتفاع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، وهي إنجازات تترجم توجهات المملكة نحو تمكين مختلف شرائح المجتمع. كما تطرق إلى قضية ارتفاع أسعار العقارات السكنية في بعض المناطق، مؤكدًا أن الحكومة تعمل على وضع سياسات لإعادة التوازن في السوق العقارية، وتوفير خيارات سكنية متنوعة تلبي احتياجات المواطنين وتحقق الاستقرار الأسري.
وفي الجانب السياسي والخارجي، شدد سموه على موقف المملكة الثابت تجاه القضايا الإقليمية والدولية، مؤكدًا الوقوف الكامل مع دولة قطر ضد أي اعتداءات، في رسالة واضحة على متانة الروابط الخليجية ووحدة الموقف المشترك.
كما جدّد التأكيد على دعم القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم، متمسكًا بمبادرة السلام العربية كإطار لحل عادل وشامل.
وتطرق إلى الملف السوري، مشيرًا إلى دور المملكة في رفع العقوبات الدولية ودعم وحدة الأراضي السورية، مع التعبير عن الأمل في استقرار دول مثل لبنان واليمن والسودان لما لذلك من أثر في أمن المنطقة.
كما خص سموه مجلس الشورى بإشادة خاصة، مثنيًا على دوره في تطوير الأنظمة والتشريعات بما يواكب مسيرة التحديث الشامل التي تشهدها المملكة، مؤكدًا أن المنظومة التشريعية السعودية باتت تُقارن بما هو معمول به في دول متقدمة، وهو ما يعكس تقدمًا ملموسًا في مسار الحوكمة والشفافية.
كلمة ولي العهد جاءت شاملة وواقعية، فقد رسمت صورة متكاملة لمستقبل المملكة، جمعت بين النمو الاقتصادي المستدام، وتحسين جودة حياة المواطن، وتعزيز مكانة السعودية كقوة إقليمية وعالمية.
كما أكدت أن المملكة ماضية بخطى واثقة نحو تحقيق رؤيتها الطموحة، وأنها تملك القدرة والإرادة لتجاوز التحديات وبناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة. هذه الكلمة تمثل التزامًا واضحًا من القيادة السعودية بمواصلة الإصلاح والتطوير، وبأن يكون المواطن في قلب كل السياسات والبرامج، لتظل المملكة في موقع الريادة إقليميًا وعالميًا.

