النهار السعودية

٠٧:٣١ م-٢٢ أغسطس-٢٠٢٥

الكاتب : النهار السعودية
التاريخ: ٠٧:٣١ م-٢٢ أغسطس-٢٠٢٥       9130

بقلم: إيمان حماد الحماد

التصالحُ معَ الذاتِ ليسَ  هزيمةً  ولا انسحاباً، بل هو نصرٌ داخليّ يعلو على كلِّ نصر.
هو أن تُطفئَ الحروبَ المشتعلةَ في قلبكَ قبل أن تُطفئَها في وجوه الآخرين.
هو أن تُسكتَ الصخبَ الذي يزمجرُ في أعماقك، لتسمعَ أنغامَ الطمأنينةِ في داخلك.

التصالحُ مع الذاتِ هو أن تمدَّ يدكَ لنفسك قبلَ أن تستجديها من غيرك.
هو أن تنفضَ غبارَ الماضي عن جناحيكَ، وتدعَه يرحل كما يرحلُ الغيمُ بعد المطر.
هو أن تُسامحَ ظلّكَ حينَ تباطأ في المضيّ، وأن تشكرَه حينَ رافقكَ في الظلمةِ والضياء.

التصالحُ مع الذاتِ أن تحيا مع نفسك بسلام، كما يحيا النهرُ مع ضفافه.
أن تُصغي إلى نبضك كما يُصغي العاشقُ إلى وترٍ شجيٍّ في ليلٍ ساكن.
أن تُحبّ عثراتك كما تُحبُّ انتصاراتك، لأنّ كلاهما صاغَ إنسانك.

هو أن تُدركَ أن جراحكَ ليست عاراً، بل أوسمةٌ علّمتكَ الصمود.
وأن انكساراتكَ ليست نهايةً، بل جسوراً حملتكَ نحوَ بدايةٍ جديدة.
وأن وحدتكَ ليست فراغاً، بل مساحةٌ للامتلاء بنورٍ لا يعرفه غيرك.

التصالحُ مع الذاتِ أن تكونَ لنفسك أباً حنوناً، وأمّاً عطوفاً، وصديقاً مخلصاً.
أن تحتضنَ ضعفك فلا تخجل، وتُجالسَ خوفك فلا تنهزم، وتُصافحَ آمالك فلا تؤجّل.

وحين تتصالحُ مع ذاتك، يتصالحُ معك الكون.
تصبحُ الكلمةُ نوراً، والخطوةُ بشارةً، والحلمُ جناحاً.
حينها تُزهرُ الروحُ بعد جفاف، وتغدو الحياةُ أرحبَ من ضيق، وأجملَ من جرح، وأوسعَ من حزن.

التصالحُ مع الذات... هو ميثاقُ الحبِّ الأول، وعهدُ الصفحِ الأخير، وبابُ السلامِ الذي لا يُغلق.

فمن صالحَ ذاتَه؛ عاشَ قريرَ العينِ مهما كثرت المواقف ، ومن خاصمَها؛ ظلَّ أسيرَ الحيرةِ وإن عصفت في مواكبُه العواصف.
فالصلحُ مع النفسِ مفتاحُ الطمأنينة، وبه يصفو القلبُ وتستقيمُ المدينة.

فمن صالحَ ذاتَه؛ ملكَ سرَّ الراحة،
ومن خاصمَها؛ خسرَ العمرَ ولو ملكَ الساحة.