الكاتب : لواء م عبد الله ثابت العرابي الحارثي
التاريخ: ٠٦:١٢ م-٠٧ مايو-٢٠٢٥       14575

بقلم: لواء.م. عبدالله ثابت العرابي الحارثي

السعودية ليست دولة تسعى إلى المجد، بل دولة وُلد المجد من صلبها، فصار يليق بها ويستقر عندها، لم يكن مجدها هدفًا، بل نتيجة طبيعية لأمانة أدّتها، وتكليفٍ حملته عن طيب نفس، ومسؤولية أدركت أنها لا تُقاس بالأعداد، بل بالثبات أمام الأقدار، لم تدخل مضمار منافسة مع أحد، فهي مشغولة بالوفاء لما تراه واجبًا أمام ربها، قبل أن تراه التزامًا أمام العالم.

وفي موسم الحج، يتجلى وجه الدولة الحقيقي: عزيمة لا تلين، وقرارات لا ترتجف، وسواعد لا تتردد، هنا، كل جهاز يعمل بروح واحدة، وكل مؤسسة تُستَنفر لخدمة الإنسان قبل أن يسأل. وهنا، تؤمن القيادة أن خدمة ضيوف الرحمن ليست ترفًا موسميًا، ولا مجرد شعار إعلامي، بل عهد مؤبّد، وسؤال ثقيل تُسأل عنه أمام الله، لا يُجاب عليه بالتصفيق، بل بالصدق والنظام والعمل.

الدولة التي شرّفها الله بخدمة الحرمين لا تعرف إلا العزم، ولا تتذرّع بالزحام، ولا بضيق المكان أو قصر الزمان، ولا تقبل التهاون في التنظيم، لأنها تؤمن أن قداسة المشاعر لا تُدار بالعاطفة، بل تُصان بالنظام وتُحفظ بالقانون، ومع تزايد أعداد الحجاج، وتعدد اللغات، واختلاف العادات، تؤكد  السعودية  أن أمن الحجاج وسلامتهم خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه، فتضع الأنظمة بحزم، وتطبقها بعدل، وتمنع أي تهاون قد يُعرض الأرواح للخطر أو يُعكر صفو الرحلة المقدسة

وهذا الالتزام لا يُطبّق على الآخرين فحسب، بل يبدأ بمن وضع النظام، فالقانون في هذه الأرض يعلو، والقرارات تُزن بميزان الأمانة، لا المساومة، وإن كان لا بد من رسالة تُوجَّه لكل من يتعامل مع موسم الحج كمنبر للتجريب أو المزايدة، فهي واضحة وثابتة: لن يكون هناك تهاون مع كل من يخالف تنظيمات الحج، ولن يُسمح بأي تجاوز يُعرّض أمن الحجاج للخطر، فالدولة لا تساوم على حياة ضيوف الرحمن، ولا تتردد في تطبيق ما يحقق سلامتهم.

وهنا تتجلى صورة المملكة كما ينبغي أن تُرى: دولة تضع النظام في موضع العبادة، وتُطبق القانون بعدلٍ على الجميع، وتسبق العالم في إدارة الحشود، وتحمّل التكليف عن وعي لا يطلب جزاءً ولا شكورًا. وإن كان أحد يزايد، فليجب أولًا: كيف تفعل  السعودية  ما عجزت عنه دول كبرى؟ وكيف تكرره كل عام، وأفضل من العام الذي قبله؟

في عصر الحزم والرؤية، وتحت راية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبقيادة ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، أصبحت الكفاءة عنوانًا، والنظام عقيدة، والحزم أسلوبًا، والأمان غاية لا مساومة فيها، هنا لا يُقاس النجاح بالضجيج، بل بعدد الحجاج الذين يعودون سالمين راضين، وهنا، تسأل الدولة الحاج قبل أن يسألها: هل وجدت من خدمك قبل أن تطلب؟ وهل شعرت أن أمنك أولوية لا نقاش فيها؟

فالسؤال اليوم ليس: ماذا تفعل السعودية؟ بل: كيف ظلت تفعل ذلك في كل موسم، وبهم لا ترضخ، وقرارات لا ترتجف، وسواعد لا تتردد.