منى يوسف حمدان الغامدي

١٢:١٥ ص-٢٤ يناير-٢٠٢٥

الكاتب : منى يوسف حمدان الغامدي
التاريخ: ١٢:١٥ ص-٢٤ يناير-٢٠٢٥       28600

بقلم: منى يوسف حمدان الغامدي
رحلة الحياة مهما طالت فهي قصيرة في عمر الزمان، ولكن الأثر الذي يتركه العظماء والذين سخرهم الله لخدمة دينهم ووطنهم وأكرمهم ليكونوا ورثة الأنبياء، إنهم المعلمون والمربون والقادة الحقيقيون هم من يتركون بصمة وعلامة فارقة في التاريخ الإنساني.
قبل قليل بلغني وفاة  القائد التربوي  الإنسان المبارك السيد المتواضع المحب للمدينة وأهلها ومن قدم خلاصة فكره وعلمه لخدمة التعليم في أقدس وأطهر ثرى في المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ إنه الدكتور بهجت جنيد، هو لكل من عرفوه وعملوا تحت قيادته كمدير للتعليم ترك بصمة لا تمحوها السنين، وكان بالنسبة لي شخصيا بمثابة الأب الحنون والصديق المخلص الوفي لوالدي رحمه الله. 
عملت معه وتشرفت بقيادته وتكرم علي بدعمي والوقوف معي في تأدية مهام عملي كرئيسة لمشروع المدارس الرائدة بينبع وقدم هو شخصيا ومساعديه وفريق عمل المدارس الرائدة من مشرفين ومعلمين ومدراء مدارس لتدريب الفريق النسائي في تعليم ينبع، وقال لي حرفيا في مكالمة هاتفية معه سوف أقوم بنفسي يا ابنتي بتلبية دعوتك إكراما لوالدك الحبيب ولكل ما قدمه للتعليم في المدينة المنورة ولن أوفيه حقه، تعلمت منه كيف يكون الوفاء بين الأصدقاء والمحبين وكيف تترجم معنى الآية الكريمة( ولا تنسوا الفضل بينكم).
كما هيأ لي ولفريق العمل معي لزيارة مدارس البنين الرائدة في المدينة المنورة وكانت تلك سابقة من نوعها في ذلك الزمان لن تنسى إطلاقا في عام 1428هـ. 
الدكتور بهجت جنيد مدرسة فريدة من نوعها في الأدب الجم والتواضع وجميل الخصال والهدوء والعمل بصمت وبحب كبير وقيادة نادرة بين كل القيادات الذين عرفت، عملت معه في جمعية الموهبة والإبداع، مؤمن بأهمية دعم الموهوبين في المدينة المنورة، وجمعية تنمية المجتمع خدمة للمدينة وأهلها. كتبت عنه صفحة في كتابي الأول (صناعة المرأة القيادية برؤية مستقبلية) في فصل بعنوان: (رجال عظماء في حياتي) وما وفيته شيئا من حقه وقدره.
طلبت منه كتابة كلمات عن أبي رحمه الله وأنا أسطر سيرة رجل نذر أربعين عاماَ من عمره لخدمة التعليم، ولم يتوانى عن تلبية دعوتي فزينت كلماته صفحات كتابي وأدخل السرور على قلب أبي ر-حمهما الله جميعا-.
عرفت الدكتور وعائلته الكريمة وزوجته وبناته وأولاده وهم نعم الأهل والأصدقاء الأوفياء، ما أعظم هذا الفقد اليوم لستم وحدكم عائلته من تفتقدون هذا الرجل؛ ولكن هنيئا لكم وله بهذه الذكرى العطرة التي حفرت في وجدان كل من عاشر هذا الرجل، ووالله من أصعب المواقف الإنسانية  أن تكتب عن إنسان بقامة هذا الرجل الطيب؛ وفي عالم الرثاء تجد الكلمات تضيع منك وتحتار كيف تكتب عن العظماء الذين يصعب تكرار وجودهم في هذه الحياة.
مازلت احتفظ في ذاكرتي بذلك الوجه المضيء بنور ربه عندما جمعت بين الصديقين الحبيبين والدي والدكتور بهجت في شاطئ أرامكو هنا في ينبع والتقطت لهما صورة للذكرى وتعلو محياهما السعادة والبشر، وكأني أنظر إليهما هناك في دار الخلود عند مليك مقتدر لأنني أعلم جيدا وأؤمن بأن المرء مع من أحب وهما متحابان فاللهم اجمعهما عندك في جوارك في أعلى جناتك في الفردوس الأعلى وأجمعنا بهما وبكل من نحب في جنة عرضها السموات والأرض، واربط على قلوبنا التي أوجعها فقد أحبتنا فالحياة أصبحت فارغة بدون من نحب ونهوى ونأنس بصحبتهم فاللهم صبرا من عندك كصبر العجائز وإيمانا يسكن قلوبنا حتى نصل ليقين بأننا جميعا إليك راجعون وأنه لا باقي إلا وجهك سبحانك جل في علاك.