إيمان حماد الحماد

١٢:٣٣ ص-١٨ أغسطس-٢٠٢٤

الكاتب : إيمان حماد الحماد
التاريخ: ١٢:٣٣ ص-١٨ أغسطس-٢٠٢٤       22660

بقلم الكاتبة | إيمان حماد الحماد
من أغرب العلاقات، ومن أقوى الصلات، ومن أشد الارتباطات، ومن أعلى المسؤوليات، والتي إن نجحت ستكون من أجمل الإنجازات، وأروع النجاحات، والتي سيبقى أثرها ممتدًا للإنسان، وثمرها نافعٌ له حتى بعد موته..
هي علاقة الوالد بأولاده، ومثلهم بناته..
فقد كان سببًا بوجودهم، وارتبط اسمهم به امتدادًا لأبعد جدودهم، وبهم سيعلو ذكره إن صلحوا، أو يهووا به لأقاصي الأرض، إن ساءت ردودهم، أو تجاوزوا بالحياة حدودهم..

ولكن...!!
هل هذا الأمر بخافٍ على من يقرأ، أو أنه بكافٍ لاحتواء الفكرة كمبدأ...!؟
وما الجديد الذي يمكن أن أنفع به قرّائي، إن كانت تلك العلاقة مقصدي، وأنا غايتي نفعهم، وذاك بالكتابة دوما مبدئي...
هل سأخوض في أمرٍ والجميع يقرّه ويؤكدّه؟!، و حتى الجاهل لا ينكره؟!، ولن يجرؤ يومًا أن يجحده؟!، وهل سأرهق قلمي في ترديد كلامٍ بات الكل يحفظه؟!، والصغير قبل الكبير يعرفه؟!....
      فإن كنت سأرغب في خوضه سأبحث عن الجديد فيه لعرضه، ولن يكون حديثي مجرد تكرارٍ، كمن يستضيف الشخص بأرضه...، ومن يعيب على القلب نبضه....
ولذلك...
أخذت من الموضوع شكله، ونقلته لغايتي...
وقست على مضمونه، وأسقطته على حكايتي...
وأكدت على جوهره، ورفعت له رايتي...
ونسبته إلى شاكله، مما يفسر مع الكتابة علاقة كل كاتب، ومن ذاك علاقتي...

      فأنا أرى أن ارتباط الكاتب بكلماته، كارتباط الأب ببناته، وعلاقته بنبض مداده، كعلاقة الشخص بأولاده....
      والمسؤولية الملقاة على عاتقه، وواجبه نحو رسالته، لا تقل عن مسؤولية الرجل نحو أهل بيته و خاصّته، وواجبه كراعٍ لرعيّته، فيقوم بها بطريقته، ووفق طبيعته، ويؤديها حسب استطاعته، وفقًا لقدرته، ولن ينكرها أو يتفلت منها فهو معترفٌ بها بسليقته، ومنجذبٌ نحوها بسريرته، ويخوض بحره لأجلها، وبها نراه قبطانًا لسفينته، وقائدًا لركبها في رحلته، وهم معه أيًا كانت وجهته...
وكما أن الأب يفرح بالإنجاب، نرى الكاتب كذلك عند تأليف كتاب...
وكما يُسَّر الأب من أبنائه، ولو بنظرة، نجد الكاتب يفرح لمجرد فكرة...
ولكل ابنٍ مكانته وسحره، كما كان لكل نصٍ بصمته وأثره...
        وكما أن الأب هو السبب في جلبهم للحياة، فهو المسؤول عنهم، وبقاؤهم مرتبطٌ به، وصلاحهم عائد إليه، ونجاحهم يضيف إليه، وفسادهم مردود عليه، فهم ذكره وامتداه، وهم سنده وقوته، وهم في حياته عدته وعتاده، ولن تصلحهم قسوته، ولن ينفعهم عناده...
       كذاك كان حال القلم مع إنتاجه، فإن مال النص، أقام الفكر اعوجاجه، وإن تزعزع الفكر، فثبات العقل يزيل ارتجاجه، فيضيء المبنى بضوء سراجه، ويفيء المعنى بقوته على الإقناع، وقبول احتجاجه..
     وبما أن والده(  الكاتب) راضٍ عنه، وكان ولده( النص) بارٌ به، قويت العلاقة، وكانت أقرب إلى الصداقة، وأصبح لكل حرفٍ به إشراقةٌ، ولكل ظرفٍ له إطلاقةٌ، وعَكَسَ لنا طبيعة صاحبه، وصوّر لنا أخلاقه، وأظهر لنا فكرته بكل أناقة، وجسَّد تفكيره بمنطقٍ وحذاقةٍ، وصارت ظلال المعنى وارفةً رقراقةً، وكان لقارئيه مصدرًا يمدهم بالطاقة، وأصبح لروّاده قدرةً على تمييز مذاقه، فالحق فيه لدقته، واجبٌ إحقاقه، والصدق فيه لقوته، ظاهرٌ ميثاقه، والفرق بين خصومه ازداد، فصار من الصعب لحاقه، حتى حاز بين النصوص سباقه، فلم يظهر به نقصٌ، ولم تعتريه إعاقة، فكان فكرًا راقيًا، وهو أصل بالعراقة...
     وعلى العكس منه كل نصٍ واهنٍ وضعيف، نقرؤه ونشعر وكأن صاحبه كفيفٌ، ليس ذو فكرٍ حصيف، وروده المعنى مخيفٌ، وفهمه المبنى طفيفٌ، لا يفيد ولا يضيف،  بأرضه حلّ الخريف، لغرسه ما من ثمارٍ أو حفيفٍ، وطرح فكرته سخيفٌ، فَقْدُ الضيافة للمضيف، وفَقْدُ ردفٍ للرديف، بالعقل مؤذٍ أو عنيفٍ، كأنه من ملجئٍ جلب المعاني للمصيف، وكأنه وجد الحروف على الرصيف، فهو التبني للحروف، وهو التجني بالوصوف، إن قرأناه نعوف، فمكانه فوق الرفوف، وبيته وسط الكهوف، ستبتعد عنه الصفوف، إشارة تعني العزوف، فقد خلت من فوائدها القطوف، وأرهقت أسماعنا إيقاعها طرق الدفوف، وأزعجت أفهامنا، فكلامها ضرب الكفوف، طال انتظاري حولها، طال الوقوف، في شمسها ظهر الكسوف، في بدرها حل الخسوف، متصنعة حسب الظروف، مهجورة مثل الكهوف....
تلك النصوص عقيمةٌ، أنَّى تلد؟؟!
فيها الحروف سقيمةٌ، حتى تُفِد..!
من منجبٍ حتى الوليمة، لم يجد..
إن تولد الفكرة لجاهل، كيف منها يستفد..
بجهله مقتولة، سرعان ما يأتي يئد...
فلا يظل لها سند، ولا البقاء لها يُرِد، نحو الفناء لها يَقُد، فكيف للمعنى يرد، وكيف للقيمة يزد، فلم يَجِدَّ لكي يجد....
وهذا صوتي يرتعد...
يا معشر الكتاب عودوا، للفصيح المُتَّقِد..
يا ذوي الألباب جودوا، بالمليح وما يُفِد...
يا بني الأعراب صيدوا حرفكم، حتى يصيح بما يَصِد...
ساحٌ فسيحٌ دونكم، أشعلوا نار القريح بما وَفد....
أمّا وإن لم تفعلوا....
كنتم جُناةً، والحروف ضحية المعنى الذبيح..
حال الحفاة،  بلا كسوفٍ، فوق قرطاسٍ طريح...
يبكي رفاة بلاغةٍ، حتى الصروف، حروفها ثكلى تصيح...
ترثي الفصاحة، في نصوصٍ كُسّرت ألفاظها، وبه تطيح...
أم اللغات بأرضها، تبكي الحروف، بصوتها عَتَبٌ صريح...
لجاحدٍ لما جحد، عشق الغريب بلفظه وله يبيح...
لحاقدٍ لما حقد، سرق اللبيب، فعقله قبرٌ ضريح..  
لواعدٍ ينسى الوعد، حرق العهود، بحرفه نارٌ تفيح...
كوالدٍ لما ولد، أضحى بخيلاً، كفّه جدًا شحيح...
كماردٍ لما صعد..، أفزع الأبصار حتى تنكسر، نظرًا تشيح..
غمامةٌ إن تنقشع، عادت الأصوات عذرًا تستميح...
عادت الأرواح حتى تستريح..
بين حرفٍ ثم حرفٍ صار لفظًا بالهجاء أو المديح...
ذاك لفظٌ تلو لفظٌ، ثم أضحى فكرةً بصفائها، تشفي الجريح..
عادت الأفكار تقوى، عادت الأشعار أنقى،  لفظنا بالفخر يبقى، مثل طفلٍ نادرٍ مثل المسيح...
صراحةٌ أشدوا بها...
تحلو لذي العقل الرجيح..
تهفو لأصداء الفصيح..
تحنو بأصوات القريح...
ذاك الوليد إذا وُجِد، فكل قوته يبيح..
فالحرف مثل السيف، للعدو غدا يطيح...
وفي النهاية...
 لا يصح سوى الصحيح...

@bentalnoor2005

الدكتورة : إيمان حماد الحماد
بنت النور