النهار

١٠:١١ ص-١١ اكتوبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ١٠:١١ ص-١١ اكتوبر-٢٠٢٥       3080

بقلم - أحمد صالح حلبي 

وأنا أتنقل بين صفحات تروي تاريخ الأندلس وقفت أمام أدبها وأدبائها فهزتني كلمات شعرائها وشاعراتها ، فبعد ولادة بنت المستكفي ، وجدت حفصة بنت الحاج الركونية ، المعروفة باسم حفصة الأندلسية متفوقة عليها شعرا وجمالا ، " وهي في غزلها أكثر جرأة في الهجوم على معاني العشق والإثارة والغيرة، وقد ارتبطت حفصة بالوزير الشاعر الكاتب أبي جعفر أحمد بن سعيد وزير بني عبد المؤمن، ولسوء الحظ صادف ابن سعيد منافساً في حبه حفصة، وهو الملك نفسه أبو سعيد عثمان بن عبد المؤمن بن علي الذي كان يلقب بأمير المؤمنين، حيث كان أهلا لهذه المنافسة من حيث السلطة والقوة، فما زال الملك العاشق بابن سعيد حتى تلمس له اسباباً مفتعلة وقتله " .

ووصفها ابن دحية العالم بالنحو واللغة وأيام العرب وأشعارها، بأنها من أشراف بلدتها غرناطة ، التي تحتضن قصراء الحمراء ، وحي البيازين أحد أقدم أحياء غرناطة ، وأكثرها شهرةً . 

وقال عنها لسان الدين بن الخطيب العلامة الأندلسي ، والشاعر والكاتب والفقيه المالكي والمؤرخ .... المُلقب بـ " ذِي الْوِزَارَتَيْنِ وَذي اَلْعُمْرَيْنِ وَذُي اَلْمِيتَتَيْنِ " ، " أديبة أوانها، وشاعرة زمانها، فريدة الزمان في الحسن والظرف، والأدب واللوذعية" ـ تعني " صفة الشخص الظريف والذكي وسريع البديهة وفصيح اللسان " ـ ، وهذا ما برز اثناء لقائها بعبدالمؤمن بن علي في القصر ، حيث كانت تعمل مؤدبة لنسائه ، فارتجلت بين يديه قائلة : 

يا سيّد الناسِ يا من

يؤمّلُ الناس رفده

امنن عليّ بطرسٍ

يكونُ للدهرِ عدّه

تخطّ يمناكَ فيه

الحمدُ لِله وَحده

وأورد الباحث والمؤرِّخ والأديب والشاعر خير الدين الزِّرِكْلي 

في كتابه " الأعلام " سيرتها قائلا : " إنها شاعرة انفردت في عصرها بالتفوق في الأدب والظرف والحسن، وسرعة الخاطر بالشعر " . 

وإن اشتهرت ولادة بنت المستكفي ببيتها الشهيرين المطرزين على ثوبها ، والتي قالت فيهما : 

أنا والله أصلح للمعالي

وأمشي مشيتي وأتيه تيهاً

أمكن عاشقي من صحن خدي

وأعطي قبلتي من يشتهيها

فإن  حفصة الركونية  نالت شهرتها بشعرها الذي جعل النساء والرجال يتهافتون نحوها لتكتب لهم ما بخاطرها من جمال الشعر ، وأرسلت لها سيدة من سيدات غرناطة طالبة أن تكتب لها شيئاً بخطها، فبعثت إليها بهذين البيتين:

يا ربّة الحسنِ بل يا ربّة الكرم

غضّي جفونك عمّا خطّه قَلمي

تصفّحيهِ بلحظِ الودّ مُنعمة

لا تحفلي برديء الخطّ والكلمِ

وجمال الشعر وبلاغته الذي جمع بين ولادة بنت المستكفي وحفصة الركونية ، جعل البعض ينسب قصدية " أغار عليك من عيني ومني " لولادة ، ونسبها آخرون لحفصة . 

ويقول مطلعها : 

أَغارُ عَلَيكَ مِن عيني وَمِّني

ومِنكَ ومِن زَمَانِكَ والمَكانِ

وَلو أنّي خَبّأتُكَ في عُيوني

إلى يَومِ القِيامَةِ ما كَفَانِي

ورغم أن حفصة عاشت حياتها في غرناطة ، إلا أن وفاتها كانت في مراكش عام 586 هــ .