










حسين السنونة - النهار
يؤكد الروائي والقاص ناصر الجاسم لصحيفة "النهار" ان صناعة الأسطورة فعل اختيار وانتقاء وليس فعل عمد، لأن المناخ الأسطوري ليس كأي مناخ آخر، المناخ الأسطوري له مكوناته الخاصة التي تختلف عن بقية المكونات الأخرى، وخلق الأسطورة يحتاج إلى وعي بها، وإدراك بحساسيتها الشديدة، الأسطورة لها مزاج نفسي خاص ولها معمار بنائي ليس في مقدور أي بنّاء القيام به
س1 - هل صحيح أن الأديب ناصر الجاسم يميل إلى القصة أكثر من الرواية ولماذا؟
لا يمكن التقليل من أثر الرواية، فهذا زمن الرواية رغم أن الأمة العربية أمة شعر، ذلك أن العربي كائن سماعي طربي، والموسيقى تسكن جسده، إنه يحبّ سماع الأخبار، حتى إن الناس البسطاء في مجتمعنا السعودي مثلا يسمّون الأخبار "العلوم" أي جمع "علم" ويطلبونها في مجالسهم ممن يحلّ عليهم ضيفاً بقولهم له: (هات علومك)، وشهوة الحديث لديهم كبيرة جداً تصل بهم أحياناً إلى قضاء جلّ ساعات النهار في إشباع حاسة السمع، حتى إن من حِكَمهم: "أربع لا يشبعن من أربع، عين من نظر، وأذن من خبر، وأنثى من ذكر، وأرض من مطر"، ومن أمثالهم أيضاً: "إن من لا يطرب حيوان"، كل ذلك يقدّم الشعر كفنٍّ مفضّل لديهم، لأنه يشبع حاجة الإخبار ويمنح النفس الموسيقى إذا روي ملحناً، وكثير من قصائد العرب- سواء كانت بالفصحى أو العامية- يكون هناك مناسبة أو حادثة من وراء قولها.
والرواية الحديثة فنٌّ نثري طويل لا يناسب إيقاعُهُ حالةَ قصر النَفَس والملل السريع والنزق، وهم من صفات كثير من أبناء العروبة، والعرق العربي عِرق عاطفي، ميّالٌ للحب وتكسره فواجعُ الفقد، وكلها موضوعات تناسبها القصيدة وليس الرواية.
س2 - حدثنا عن دخولك عالم القصة؟ وماذا تعني لك القصة القصيرة؟
إن كاتب القصة القصيرة كاتب محظوظ لأنه يكتب الجنس الأدبي القوي، لأنه يكتب الجنس الأصل، الذي تفرعتْ منه أجناس سردية أخرى، ولأن من يكتب جنس القصة القصيرة فإنني أرجم بالغيب وأقول: إنه قادر على أن يكتب الرواية والمسرحية والقصة الطويلة والمقامة والقصة القصيرة جداً، فالقصة القصيرة جنس مرن، جنس يستطيع الكاتب أن يطوّع فيه لغته ومهارته وأفكاره حسب درايته بعناصره الفنية وبقالبه السردي، كما يمكنه التحرر من هذا القالب إلى عالم الرواية الرحب أو أن يرتدّ ويقوقع نفسه في القالب الفني الصغير جداً، قالب ق. ق.ج، أو يفلت من سجنه وإساره ويقع في غرام الحوار المسرحي.
س3- ماذا تقصد بقولك إن أدب العزلة مشبع بالانفعالات النفسية والعواطف القلبية وليس قائماً على عنصر التخييل؟
طالما أن الإنسان في معتزل فهو قد اختار إقامة جبرية ونفى ذاته بنفسه، والانعزال والنفي حالتان وجوديتان تمليان على الكاتب- إجباراً وليس اختياراً- أن يقصد إلى الانفعالات النفسية والعواطف القلبية؛ لأنه نتاج هذا الوضع الذي ارتهن إليه.
أما عنصر الخيال فإن الكاتب المبدع يستزيد متى ما أراد وتحت أي ظرف كان وفي أي واقع يعيشه، ذلك أن الخيال طاقة، فمتى ما قدر عليها المبدع أنتجها، وبكميات وفيرة، ولكن لابد أن نلاحظ أن عنصر الخيال يتأثر بالفضاءات التي يتحرك فيها الكاتب المبدع، فالخيال الذي ينتجه في الفضاءات المفتوحة وفي الأمكنة الاختيارية قطعاً أنه مختلف عن الخيال الذي ينتجه في الفضاءات المغلقة أو الأمكنة المعزولة.
س4- واضح تأثير التراث الشعبي في نصوصك القصصية وخاصة إنك تطرح شخصيات حقيقية من مدينة العيون؟
المحلية ديدن كتاب القصة والرواية في العالم أجمع، والكاتب ابن بيئته، ومن يستورد بيئة أخرى غير بيئته فذلك يرجع إلى انهزام ثقافة بيئته أما البيئة الأخرى، أو إلى انبهاره كفرد بما لدى الآخر من ثقافة جاذبة جعلته يطرد ثقافته- بيئته- من كتاباته ويعري نصوصه منها، فيصبح ما يكتبه لا نكهة له.
المحلية هي دائماً الطريق إلى العالمية، ويستحيل أن يحترمك الآخر إن لم تحترم ثقافتك وبيئتك، بل إنه سيحتقرك إن تعاليت على بيئتك وتبرأته منها، وإذا ما وجد في ثقافتك عيوب أو في بيئتك أخطاء فعليك كمبدع أن تصححها وأن تعالجها وليس أن تستورد غيرها.
والكتابة الأدبية الإبداعية الحقيقية هي مشاكلة للحياة وللواقع، والكاتب الجيد يختار شخوصه من الواقع ومن الحياة ثم يدخلها مختبره الإبداعي ويخضعها لمخياله الخاص ويجري عليها عمليات الإضافة والحذف كي تبدو في النهاية نماذج بشرية محددة أو شخصيات تحاكي شخصيات بشرية حية، وإذا فعل ذلك فإنه ينجح كثيراً فيما يعرف بقضية "الخلق للشخصية" لأن القراء إذا قرأوا الشخصية السردية سيجدون أن فيها تشابهاً مع شخصياتهم أو يجدوا بأنها الشخصية التي يريدون أن يكونوا عليها أو التي يبحثون عنها، الشخصية الحلم أو الشخصية المثال أو الشخصية البطلة، لذلك يحبونها.
س5 - في رأيك هل العادات والتقاليد الاجتماعية تمنع المبدع أو تكبله وكيف تغلبت على ذلك؟
منذ أن بدأت الكتابة وحتى الآن لم أضع للرقابة أو للشعور بأن لدي نقص في الحرية أي وجود، كنت أكتب أي فكرة تأتيني باللغة التي تناسبها. والواقع الاجتماعي الجديد الذي أعطى للمرأة حقوقها ومنحها التمكين كعضو مماثل للرجل في المجتمع السعودي لا أظن أنه سيكون عاملاً إيجابياً في تهيئة مناخ الكتابة أو رفع سقف الحرية لدى الكاتب السعودي، ذلك أن كتابنا وكتاباتنا السعوديين كانوا يكتبون تحت تأثير رقابة داخلية منضبطة ومتوائمة مع توجهات القيادة السياسية لدينا، ولم يكن هناك أي تضارب أو تعارض بين الحاكم والكاتب تحديداً، إنما كان يوجد تضارب وتعارض بين رجل الدين والكاتب، وقد تم تجاوزه الآن في العهد الجديد.
س6- الدمج بين الميثولوجيا القديمة والتراث الشعبي في نصوصك كيف استطعت صنع ذلك الدمج؟
لدينا مثل شعبي يقول: مَن انجبر بحصاة شالها (أي حملها)، وقد انجبرت بالأسطورة كحالة إبداعية صعبة وحلوة، وكمناخ كوني لشعور إنساني، فحملتها في نفسي كعقيدة كتابية، عقيدة مؤمن بأنها من أفضل أشكال السرد وأعتاها على الإتيان، وقد ساعدني على الانجبار بها أنني من أصحاب الطبع الصعب ومن محبي النفائس، لا أحب الحصول على الأشياء السهلة، والأسطورة بطبيعتها نفيسةٌ وصعبٌ تخلُّقها.
وأنا بطبعي عندما أكتب مقالاً أو قصة أو رواية أو مسرحية أحرص في كتابتي على التميّز، وعندما تكون كتابتي في فن السرد خاصة أطمح إلى أن أكون كاتباً مختلفاً، كاتباً بنكهة سردية خاصة أو ببصمة لغوية أو فكرية غير موجودة عند كاتب آخر، سواء كان سعودياً أو غير سعودي، باختصار أنا أعتني كثيراً بنصي القصصي أو الروائي الذي أكتبه، وهذه العناية تسري على كل أنواع القصص التي أكتبها وليست الأسطورية فقط؛ فنصي القصصي ينضج أولا في نفسي ثم أرحّله إلى الورق كثمرة زاهية حان قطافها، إنني أدلّل نصي كثيراً وأعتني بهندامه، ولا أتركه يظهر إلى الناس إلا في كامل أناقته، فكل قصة من قصصي لها يوم عندي هو يوم الزينة، يوم نشرها..
س7- لماذا السحر موجود كثيراً في نصوصك. وإعطاء الساحر قدرات أسطورية؟ هل تؤمن بالسحر؟ وهل هناك سحر إبداعي؟
إن السحر الذي صدّق به موسى عليه السلام وصدّق به محمد صلى الله عليه وسلم فأنا أصدّق به، ولا أنكر وجوده، ولكنني لا أعطي في نصوصي الساحر قدرات أسطورية، فالسحر نفسه هو من يعطي الساحر هذه القدرات وليس أنا، وهي قدرات يمدّ الساحر بها الجن والشياطين. أما مصطلح سحر إبداعي فهو مصطلح لا وجود له.
س8- واضح ان الزراعة والحيوانات بكل اشكالها في نصوصك هل هو تأثير البيئة والحياة الاجتماعية عليك؟
أنا قارئ جيد لمجتمعي ومتأمل كبير لأنماط شخصياته ومتماسّ مع بيئاته المتنوعة ومستوعب بشكل حاد للتحولات السريعة التي مرّ بها منذ أواخر السبعينيات الميلادية حتى اللحظة، فالإنسان السعودي والمكان والزمان السعوديان كل ذلك حاضر في وجداني، أكتب وهو رهن استدعائي له.
ملاحظة ان ناصر الجاسم ورغم إصدارات متعددة في عالم القصة القصيرة إلا أنه لا يتكرر ويخلق الجديد والمختلف في نصوصه كيف استطعت ذلك. وأي من مجموعتك القصصية أقرب إليك ولماذا؟
بدايةً، الكتابةُ إجمالاً فعلٌ مريح، هي كالاستجمام، كالتنزه في حديقة، أو كسباحة في بحيرة دافئة، وكل مرحلة من مراحل تكويني الأدبي أو تاريخية الكتابة عندي أجد نفسي مغرماً بجنس أدبي معين، وما يوقعني في الغرام به هو احتفائية القراء والنقاد بما أكتبه، ولكن أشدّ ما وجدت نفسي فيه في البدايات الأدبية كان فن المقالة، وانتقلتُ فجأة نقلة عاشق إلى جنس القصة القصيرة ولم أترك هذا العشق أو أسلو عنه طيلة ثلاثين سنة.
خمس وثلاثون سنة أرسم شخصيات قصصية لا تشبه الواحدة فيها الأخرى، وأقدّم نماذجَ بشرية تدعو إلى الدهشة، وأصنع عناوين قصص يحفظها القارئ كما تُحفظ الأناشيد المدرسية؛ عناوين تبقى في ذاكرة المتلقي كحجر كريم يقاوم أثر الزمن، وأتجول في بيئات وطني المملكة العربية السعودية تجولَ الملحن الذي تنتقي أذنُه أعذبَ الإيقاعات لأقدّمَ هذه البيئات بدلالاتها المكانية والزمانية للقارئ العربي، وأحمل في جرابي من أسماء الذكور وأسماء الإناث ما يصلح لأن أسمّي به شخصياتي القصصية، وأستمع بأذن طائر إلى الألفاظ التي أسمعها لأول مرة فأدوّنها في سجلي واستثمرها في نصوصي كحديث يجري على ألسن تلك الشخصيات.
وكل قصة من القصص لها حب خاص في نفسي وأتذكر أجواء كتابتها، وبعض القصص حضورها العاطفي والوجداني يشبه حضور الحبيبة، يشبه حضور أنثى الحلم، لذلك تتقدم مكانتها في قلبي على غيرها، المسألة تُقاس بعنوان القصة وليس بعنوان المجموعة.
س9- في رأيك كيف يستطيع الكاتب المحافظة على قوة اللغة وجمال السرد في نصوصه؟
إذا استمر الكاتب المبدع في القراءة المفتوحة على كل العلوم وعلى كل المعارف، وقرأ ما ينتجه زملاؤه في الفنّ نفسه من الشرق ومن الغرب، ولم يوقف عنصري التأمل والتخييل حتى يظل في الصدارة.
س10- المشهد الثقافي في المملكة يشهد تطوراً ماذا تقول عن ذلك؟
التطور ينال أوجه الحياة كلها في المملكة العربية السعودية وليس الوجه الثقافي أو الدبي وحدهما، فحركة التطور عندنا حركة كلية جمعية نالت أوجه الحياة كلها، اقتصاد، رياضة، تعليم، أدب، طب، هندسة..إلخ، نحن شعب لا يتطور ببطء، نحن شعب سعودي يركض ركضاً نحو التطور في المجالات كافة بلا استثناء.
ما رأيك في مشاريع الهيئة مثل معتزلات الكتابة، الشريك الأدبي، حاضنة الكتاب وغيره؟
كلها مشاريع تقدّمية ومدروسة بعناية وذات جودة عالية ستعلي من شأن المبدع والمثقف في وطننا الأبيّ الشامخ المملكة العربية السعودية، مشاريع تمّ التخطيط لها بشكل جيد، وتمّ تنفيذها بشكل أكثر جودة وجاذبية.
إننا كمبدعين في المملكة العربية السعودية من حسن حظنا أننا ولدنا كباراً وأننا نكبر كل يوم، وثقافتنا وابداعنا لا يعرفان الشيخوخة أبداً.
س11- ما الفرق بالنسبة بين بين الرواية والقصة القصيرة؟
في ظني أن الرواية تحتاج لحدثٍ كبيرٍ مزلزل سواء كان سياسيا أو غير ذلك ولمناخ اجتماعي خاص يتكون نتيجة لهذا الحدث ولزمن معين طويل تنضج على ناره الشخصيات، ولشخصيةٍ بطلةٍ معقدة التركيب وقوية الفعل ولمكان مؤثر على الشخصيات وهي متأثرة به، سواء كان شاعريا أو غير ذلك، ولخيالٍ جبارٍ لكاتب لا يرحم قلمه، يجهده بسرد مغاير لغيره من كتاب الرواية الآخرين، أي أن يسكّ أسلوبا أو يفتتح مدرسة في الكتابة الروائية لا تشبه غيرها، وإن لم يكن ذلك متاحاً فليحاكي فُحولَ السرد الروائي.
فالرواية ليست مساحة حكي طويلة منضودة على الورق، المقياس المتري الإنجليزي لا أؤمن به مطلقا في هذا الشأن، فعدد الكلمات معيار لتاجر يبيع ويشتري وليس معيارا لناقد أدبي، ثم إن القصة القصيرة ليست مَعبراً للرواية ولا لغيرها من أجناس السرد الأخرى كالقصة القصيرة جدا أو المسرحية أو القصة الطويلة، فالقالب الأدبي تشكله مهارة المؤلف ودربته وذوقه الفني ووعيه بالملاءمة والمناسبة وما يصح هنا وما لا يصح هناك.
والقصة القصيرة فنٌ يتناسل تاريخيا، فنٌ عابرٌ لذائقة الأجيال القرائية، فنٌ صامد لأكثر من قرنين من الزمان، يخبو وهجه لكنه لا ينطفئ، يمرض ولكنه لا يموت، يبدو أنه يستحق أن نسميه الفن الدائم أو الفن المعمّر، فقد عاش طويلاً ويبدو- لجاذبيته ولتمتعه بصحة جيدة- أنه سيعيش لفترات زمنية قادمة. لقد رأيته مع فن الرواية في مضمار سبق، الرواية فقط كانت تركض بسرعة أكبر وكانت تقطع المسافة في زمن أقل، ولكنه يصل بطيئاً إلى خط النهاية دون أن يسقط أو يتعثر في ركضه.
فعباقرة الكتابة لدينا كعرب محدودون جداً، لاحظ أنني لا أتحدث عن كتاب الرواية العرب كلهم فاهتماماتهم بالفكر أو المحتوى الذي تحقن به رواياتهم شتى، وجلّ اهتماماتهم في الغالب عاطفية ولا تقفز عن العلاقة التي بين الرجل والمرأة وخاصة لدى الروائيات، فالكتاب الذين تخصصوا في نوع معين من السرد كحنا مينة السوري أو إبراهيم الكوني الليبي لا يمكن أن تعمم رأياً وأن تحكم به على عينات قليلة ونادرة جداً.
أما التقنيات الكتابية للرواية فهي مستوردة ونحن تابعون للآخر البعيد الغربي أو الشرقي فيها، ولا ريادة لنا فيها أبداً ولم نسجل أولوية فيها بما في ذلك حتى الروايات التاريخية، والخصوصية/ قد تجد خصوصية من نوع ما في اللغة كالتي عند الروائية السعودية رجاء عالم أو غيرها، ومع ذلك أرفض التعميم بالقول في وجود خصوصية للرواية العربية، إذ لا زال لدينا كثير من الكتاب لا يفرقون بين الرواية والسيرة الذاتية والسيرة الغيرية، ولا زال لدينا الكثير من القراء الذي يجزمون بأن بطل الرواية هو مؤلفها وأن شخصيات الرواية هم أصدقاؤه أو أعداؤه.
س12- هل تتفق مع من يقول إن المشهد النقدي ضعيف في المملكة؟
النقد في المملكة العربية السعودية يعاني من كسل كبير، ومن خمول طال أمده، وقد كان وما يزال نقداً انتقائياً ينتخب الناقدُ نصوصاً معينة لأسماء معينة، أي أنه عشوائي غير منظم، لا يخضع لطابع المدرسة حيث النظام والالتزام، وحيث المخرجات المتوالية، أي أنه نقد تحركه العواطف، ويفرضه الاحتياج، عاطفة الناقد غير الأكاديمي (حيث العلاقات الشخصية)، واحتياج الناقد الأكاديمي (رسائل الماجستير والدكتوراه وأبحاث الترقية في السلم الأكاديمي).
ولكن توجد الآن حركة نقدية طموحة طليعية يقودها عدد كبير من الشباب والشابات تتزين الصفحات الأدبية الإلكترونية والمواقع على الشبكة العالمية بأسمائهم السعودية، نقاداً وناقدات اقتضتهم طبيعة المرحلة الآنية دون أن ينصّبوا أنفسهم أو يقدّموا ذواتهم كنقاد.
س13- كيف ترى تجربة الشباب في القصة القصيرة، وهل هناك أسماء تحب القراءة لهم؟
ليس من عاداتي القرائية انتخاب أسماء معينة، عربية أو أعجمية، أو الوقوع أسيراً لدى إبداع كاتب محدد، أو الانجذاب لاسم عالمي دون غيره، أو الركض وراء أعمال روائية أو قصصية حازت على جوائز كبيرة، أنا في ذلك حرٌ جدا، أشبه بالطيور ترى الفضاء والحقول كلها لها.
أما تجربة الشباب في كتابة القصة القصيرة فتحتاج إلى أن أطّلع على نتاجاتهم كلها كي أصدر حكماً.
س14- يقول الناقد محمد الحميدي عن "دم الغزلان" أنك أسطرت المكان ومزجت الهوية بالأرض. ما رأيك؟
بالنسبة لسطوة المكان في كتاباتي، فالمملكة العربية السعودية وطن ذو بيئات متعددة ومتنوعة، والثورة السردية القصصية والروائية كائنة ومتحققة لدينا في كل البيئات، فلم تعد بيئة الحجاز هي البيئة الأدبية الوحيدة في السعودية، فقد كان ذلك في زمن مضى منذ مدة بعيدة، وبعد هذه البيئة ظهرت ثلاث بيئات أدبية جديدة وإن لم يكن ظهورها في وقت زمني واحد، وأعني بذلك بيئة الأحساء الأدبية وبيئة وسط المملكة العربية السعودية (نجد) وبيئة المنطقة الجنوبية، وقد كان طابع السرد في هذه البيئات الجديدة في أوله ريفياً قروياً زراعياً، ويظهر ذلك بجلاء عند كتّاب القصة القصيرة في المنطقة الجنوبية، ولكن تجد القصة القصيرة المدنية الحديثة التي تقدّم واقع المدينة الجديدة ماثلة بجلاء عند كتاب القصة القصيرة لدى عموم الكتّاب في الوطن منذ بداية الثمانينيات الميلادية حتى اليوم.
ومكاني الأحساء ووطني الكبير السعودية هما كنزي الإبداعي الذي أفاخر به، وخزان أساطيري الواسع، ومستودع شخصياتي الكبير جدا، والحقل الذي يغذّي مخيلتي بأروع الأفكار ويلهمني بأعذب السياقات اللغوية، مكاني هذا شاعري جدا، وثري بكل ما هو إبداعي وجميل ومؤثر وخلاق، فخصوصية سردي وتميزه ما كان لها أن تكون لولا أنني سعودي الهوية ومكان ميلادي مدينة اسمها العيون تابعة إدارياً لمنطقة الأحساء، لذلك تجدين المكان في أعمالي الأدبية شاخصاً فيها وحاضراً بجلاء، وستعرف بيئة النص وتحدد انتمائه حتى لو لم يُمهر باسمي.
س15- هل يعني ان القاص ناصر الجاسم يتعمد في نصوصه خلق الأسطورة في كل ما يراه على الأرض أو يسمع عنه؟
صناعة الأسطورة فعل اختيار وانتقاء وليس فعل عمد، لأن المناخ الأسطوري ليس كأي مناخ آخر، المناخ الأسطوري له مكوناته الخاصة التي تختلف عن بقية المكونات الأخرى، وخلق الأسطورة يحتاج إلى وعي بها، وإدراك بحساسيتها الشديدة، الأسطورة لها مزاج نفسي خاص ولها معمار بنائي ليس في مقدور أي بنّاء القيام به، والعمد إلى الأشياء نادراً ما يصاحبه الإبداع، إذ تغلب عليه العشوائية ويتخلله التضعضع.

