الكاتب : النهار
التاريخ: ٠١:٠٣ م-١٣ ديسمبر-٢٠٢٤       40040

بقلم - د. غالب محمد طه

"جزيرة الكنز" مسلسل أطفال أنيمي ياباني شهير عرض في سبعينيات القرن الماضي، مستندًا إلى رواية الكاتب الاسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون. شكل هذا المسلسل جزءًا أساسيًا من ذكريات جيل السبعينيات والثمانينيات وبداية التسعينات، حيث كان يتابعه الأطفال بشغف. أحداث المسلسل كانت مليئة بالغموض والمغامرة، مثل الجزيرة النائية والكنز المدفون والسفينة في عرض البحر، أسرت خيال الأجيال السابقة وجعلتهم يندمجون في عالم الانيميشن.

الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) اختار المملكة العربية السعودية لاستضافة كأس العالم 2034، في خطوة بارزة تُعبر عن ثقة عالمية في قدرة المملكة على تقديم تجربة رياضية استثنائية. هذه الاستضافة تُعد الأولى من نوعها في تاريخ البطولة الطويل الممتد، مما يُبرز التزام المملكة بتنظيم حدث رياضي ضخم بمشاركة 48 منتخبًا لأول مرة وفق النظام الجديد، من المتوقع أن تُقام المباريات في خمس مدن سعودية، مما يعكس استعداد السعودية وتطور بنيتها التحتية لاستضافة هذا الحدث الكبير.

كعاتها دائماُ فاجأت المملكة العربية السعودية العالم بتقديمها ملفًا متكاملاً للاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) "معًا ننمو"، يبرهن على قدرتها على تنظيم فعاليات كأس العالم 2034، الملف الذي قدمته السعودية يعكس تصميمات ملاعب مذهلة، مما يعيد إلى الأذهان "جزيرة الكنز "ويجعلنا نتساءل: هل فتحت السعودية كل قصص التراث لتعيد رسمها على الواقع وتشد انتباه الصغار قبل الكبار بطريقة لا يمكن تصورها؟

لم تقتصر المملكة على تقديم تصميمات معمارية مبتكرة، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك من خلال دمج الثقافة والتراث السعودي في كل جانب من جوانب الاستضافة، مما يظهر بوضوح التزامها بنقل تجربة رياضية وثقافية فريدة للجماهير. من خلال ملاعب مستوحاة من التراث وأخرى ذات طابع مستقبلي، تبرز السعودية كمركز عالمي قادر على تقديم سرد جديد يجمع بين الأصالة والتطور، ويبدوا أننا لن نحتاج بعد اليوم للبحث عن الكنوز القديمة في التراث القصصي عبر مسلسلات الانيميشن. 

وتشهد اليوم المملكة استثمارات ضخمة في البنية التحتية استعدادًا لاستضافة كأس العالم، حيث يتم تطوير خمسة ملاعب رئيسة في الرياض، جدة، الخبر، أبها، ونيوم، فضلاً عن تعزيز المرافق والبنية التحتية في 10 مدن داعمة. يتضمن المشروع بناء 15 ملعباً حديثاً، منها 11 ملعباً جديداً كليًا، تسهم في تعزيز الهوية الثقافية للمملكة وتوفير تجارب متميزة للمجتمع المحلي من خلال دمج العناصر التراثية في التصميمات ، تركز التكنولوجيا الحديثة بشكل كبير على الاستدامة والابتكار البيئي، مثل استاد نيوم الذي يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة ويُعتبر نموذجاً للمستقبل في كيفية دمج التكنولوجيا والبيئة في الاستضافة الرياضية.

تُعد استضافة كأس العالم 2034 من أبرز ثمرات رؤية السعودية 2030. بعد مرور أربع سنوات من انتهاء الرؤية، ستحقق المملكة إنجازًا رياضيًا ومعماريًا يعكس الالتزام العميق بأهداف الرؤية. من خلال الاستثمارات الضخمة في مشاريع رياضية ومعمارية متطورة، ستظهر المملكة كوجهة رياضية عالمية ذات بنية تحتية متفوقة وتجربة لا تُنسى.

ومن المتوقع أن تسهم البطولة في تعزيز الاقتصاد السعودي من خلال تحفيز السياحة، زيادة الإيرادات التجارية، وخلق فرص عمل جديدة. كما ستمثل فرصة لتوثيق الروابط بين الشعوب وتعزيز السلام والمحبة عبر الرياضة، مما يعكس رؤية السعودية في نشر التفاهم الدولي.

استضافة كأس العالم 2034 تمثل تتويجًا لالتزام السعودية برؤية 2030، حيث تجسد التحدي الطموح لتحويل المملكة إلى مركز رياضي عالمي. من خلال الابتكار والمشاركة الفعالة من الشباب، مثل "ياسمين" و"الكعبي" في تقديم ملف الاستضافة، تُظهر السعودية كيف يمكن للابتكار أن يصبح الكنز الجديد الذي يجذب الأنظار ويعيد تعريف استضافة الفعاليات العالمية. الاستضافة تعزز من قدرة المملكة على تنظيم أحداث كبرى وتقديم مستويات جديدة من التنظيم والتجربة الرياضية، مما يعزز من مكانتها كوجهة عالمية للرياضة والترفيه. عبر دمج التراث مع الابتكار، تُظهر السعودية قدرة فائقة على الارتقاء بالرياضي والمجتمع نحو مستقبل مشرق.

ويبدو أننا نعيش هذا المستقبل بالفعل.

تهانينا للمملكة العربية السعودية على فوزها الكبير باستضافة كأس العالم 2034، مما يعكس قدرتها المتنامية على تنظيم الأحداث العالمية الكبرى. يأتي هذا الإنجاز بعد النجاح الباهر لدولة قطر في استضافة كأس العالم 2022، مما يضع المنطقة العربية مجددًا في دائرة الضوء كقوة رياضية عالمية. إضافةً إلى ذلك، فإن استضافة المغرب لكأس العالم 2030، بالشراكة مع البرتغال وإسبانيا، يعزز من مكانة المنطقة كقوة رياضية عالمية متكاملة، ويدعم دورها في تعزيز التعاون والشراكة بين دول العالم في مجال الرياضة.

وقبل الختام، أود أن أضيف:

"هناك دولة قامت بصناعة روح مختلفة للمستقبل، وهذا يكفي"، هكذا عبر هيثم، أحد الأصدقاء المقربين من السودان، عن فوز السعودية بتنظيم كأس العالم 2034. مستشهداً بقول الطفلين ياسمين اليافعي والكعبي: «نحب العالم ولغتنا هي لغة الإمكانات»، و«قيادة المملكة تشجعنا على تحقيق أحلامنا… تعالوا لنتقاسم الشغف وعشق اللعبة». إن حديثهم لا يعكس فقط الفوز بتنظيم كأس العالم، بل يعكس رؤيتهم الثاقبة لمسار المستقبل الذي تسلكه المملكة.

ويبدو فعلا أننا نعيش هذا المستقبل بالفعل.

واختتم بتلك الأبيات التي أثرت قلوب الأجيال وجعلت الجميع يلتف حول جزيرة الكنز: 

ها نحن ذا على دروب كنزنا

نسير معاً وآمالنا تسير قبلنا

من غيرنا يقطع يوماً مثلنا

درباً خطيرة إلى الجزيرة من غيرنا

جزيرة عجيبة وكنزنا فيها

دروبها غريبة سنوافيها

خافوا المخاطر لأنها كثيرة

لكننا معاً وكنزنا في الجزيرة

(صالح) مع (عبير) في الرحلة المثيرة

جميعنا معاً على دروب الجزيرة