

اولاً - منهج الكرم مع خصومه :
يعد الكرم من الصفات النبيلة التي يمتاز بها العرب عن غيرهم من الشعوب ، حيث عرف النبي محمد صل الله عليه وسلم قدوة كل عربي و مسلم ، مع الكفار و المسلمين ، و لا يفرق بينهم ألا بالتقوى ، و هنا تظهر هذه الصفة لدى الملك ايضاً مع خصومه بدليل : أنه حينما دب الخلاف داخل أسرة ال رشيد حيث تم هذا قبل فتح حائل في ١٣٤٠هـ /١٩٢٢م ، عندما خاف متعب بن عبدلله على نفسه من القتل و الغدر من ابن عمه محمد بن طلال ، أتجه مباشرة إلى خيام الأمير سعود ابن الملك عبدالعزيز الذي كان محاصر حائل ، و هنا ظهر بأن متعب على معرفة تامة بأن أسرة ال سعود لا تخون و من ابرز صفاتها الكرم و التسامح ، و تجلى ذلك بتفاعل الأمير سعود معه حينما أمنه و أرسله إلى والده في الرياض ، و في ذات السياق حينما تم استرداد حائل ١٣٤٠هـ ، بعد ان استسلم اخر امير من ال رشيد محمد بن طلال أمنهم الأمير سعود على أنفسهم و ارسلهم ، فأكرمهم الملك عبدالعزيز و عززهم في الرياض ، لذلك تميز الملك بهذه الصفة مع خصومه حيث يكرمهم و لا يهنيهم و لا يذلهم.
انتهج الملك عبدالعزيز منهج الكرم ايضاً ، مع خصمه حسن ال عائض، أمير عسير ، حينما تم دخول عسير في ١٣٤٠هـ /١٩٢٢م، و على اثر ذلك أسرت الجيوش ال عائض فأرسل الى الرياض و هناك أستقبله الملك إستقبالاً مشرفاً ، و بالاضافة إلى أنه عفى عنه و أكرمه ، هو و عائلته ايضاً و الجدير بالذكر هنا أن حسن عندما أراد العودة الى بلاده أعطاه الملك قرابة ٥٦ ألف ريال ، و في ذات السياق خصه هو و أهله بالمشاهرات المالية.
ثانياً - منهج العفو مع خصومه :
يتمتع المسلم الى جانب صفة الكرم بصفة العفو و الصفح ، و هذا ما تربى عليه الملك عبدالعزيز ، لذلك طُبعت هذه الصفة فيه ؛ حيث أنه لم يملك صفة الحقد و أنه مؤمن بالله و معتقد ان العفو و الافصاح عن الأعداء يؤلف بين قلوب الناس ، و علاوة على ذلك انتهج الملك منهج العفو مع خصومه لأن هدفه هو بناء الدولة.
أنتصر الملك عبدالعزيز حينما دخل الرياض ١٣١٩هـ/١٩٠٢م ، و مع أول نصر طبق هذا المنهج من خلال إصداره عفو عام عن رجال ابن رشيد ، و أمنهم و آمن الناس على حالهم ، و في نفس الصدد تقدم إليه متطوعين يكونوا تحت أمرته و يبذلون كامل جهدهم معه.
سار الملك عبدالعزيز على منهج العفو ايضاً حينما أسترد القصيم ١٣٢٢هـ / ١٩٠٤م ، حيث عفا عن ابن ضبعان الذي كان حاكم للقصيم من قبل ابن رشيد ، حيث طلب منه و من رجال الخروج آمنين ، و علاوة على ذلك أعطاهم خمسة و ثلاثون مطية يحملون عليها شرابهم و طعامهم ليتمكنوا من الوصول إلى حائل ، و هنا تجلى منهج العفو الذي سار عليه الملك عبدالعزيز.
أستمر الملك عبدالعزيز في هذا المنهج حتى وصوله إلى جدة حيث حاول كسب ود خصومه من خلال إعلان العفو العام ١٣٣٤هـ / ١٩٢٦م ، و فعلاً توافدت إليه الخصوم و أعلنت ولائها ، بالرغم من انتصاره إلا أنه اهتم بكسب ودهم.
ثالثاً - منهج تقديم المصالح و المنافع :
أمتاز الملك عبدالعزيز بحبه لناس و لبلاده فتجلى ذلك في إختيار ما ينفعهم من مصالح ، و يوجه لهم النصح ، و من زاوية اخرى ايضاً أمتاز باهتمامه لخصمه مهما كان حجم العداوة بينهما ، حيث كان يعمل على نصح الخصم و يحاول أن يقربه منه ، لتكتمل الوحدة الوطنية التي تعد أهم أهداف الملك عبدالعزيز ، و من نماذج هذا المنهج : أن الملك أثناء عملية التوحيد يسعى للسلم و الصلح اولاً ، و هذا لا يعد أجبناً بل ليتجنب من خلال هذه السياسة الحرب التي ستزهق منها أرواحاً بريئة ، و تدمر المنطقة ، كمثال حينما سعى الملك عبدالعزيز بالصلح و السلم مع الشريف حسين ، و لكن لم ينتج عن ذلك إلا رفض الشريف الصلح كاملاً ، و عليه قرر الملك سياسة الحرب و الحزم معه ، حيث أعلن في مؤتمر الرياض الذهاب إلى مكة و اذا منعهم الشريف يقاتلوه.
تكفل الملك باختيار ما هو صالح و نافع لبلاده ، و يجنبها كافة المشاكل الداخلية و حتى الخارجية ، حيث أنه عندما طلب منه المشاركة في الحرب العالمية الاولى ، رفض و أتخذ موقف الحياد ، و هنا لابد من بيان أن موقف الملك الحيادي في الحرب راجعاً إلى تقديم ما ينفع لبلاده حيث كانت هذه البلاد بدئت بتأقلم و استتب الأمن فيها اخيراً ، فكيف يرجعها لحرب جديدة أمام قوى منظمة كبرى ، فأختار الاستقرار السياسي الذي صب في مصلحة دولته.
أبتعد الملك عن القتال اولاً مع أعدائه ؛ و هذا يرجع إلى : دينه حيث عرف عنه تمسكه و اقتداءه بالرسول صل الله عليه وسلم ، لذلك توجه لنصحهم اولاً ، و في نفس الصدد ايضاً رأى الملك أن الحرب لا ينتج عنها إلا الخراب في البلاد و تدمير البيوت و تخويف الآمنين لذلك تجنب القتال في مواضع عدة، و علاوة على ذلك رأى الملك أن من سوفا يحاربهم يعدون أيضاً أبناء هذا الوطن فيعتبرون في ذمته و رعايته.
أثار و نتائج معاملة الملك عبدالعزيز لخصومه :
بالنسبة للملك :
ساعدت المواقف الذي مر بها الملك بالتعامل مع خصمه عبر أوجه متعددة حسب الموقف ، حيث أتبع الكرم تارة ، و العفو تارة أخرى ، و كذلك الحزم و تقديم المصالح و المنافع ، كل هذا ساعده في بناء شخصيته فأعطته الصلابة و الثبات في إتخاذ القرارات ، التي نتج عنها آثار إيجابية ، و علاوة على ذلك تعامل الملك مع خصومه المختلفين جعلت منه قائد فطين و ذكي، و بالاضافة إلى أنه كان يقدم مصلحة البلاد و يعرض السلم عليه ، و هذا ما حقق له هدفه الذي يكمن في نشر الوحدة و الأمان.
كسب الملك من خلال سياسة السلم ثقة خصمه من جهة ، و شعبه من جهة أخرى ، فصب ذلك ايضاً في مصلحة الوطن ، فأصبح الملك رمزاً للعدل و المساواة ، و بالاضافة الى أكتمال جميع جوانب شخصيته السياسية ، و المالية ، مما أهلته فيما بعد إلى أن يكون مستعداً للعلاقات الخارجية ، و الجدير بالذكر هنا أن الملك استطاع كسب ود و حب خصومه فأصبحوا مدينين له إلى وفاتهم ، لهذا توفرت له كافة الظروف لتصبح بلاده موحدة تحت أسم المملكة العربية السعودية.
بالنسبة لخصومه :
شعروا خصومه بالاطمئنان و الراحة ، و عدم الخوف من الغدر فنتج عن ذلك معاهدات و اتفاقيات كانت من صالح جميع الأطراف ، و في نفس الصدد أزالت سياسته الحسنة و كرمه و عفوه الشحناء و البغضاء من خصومه اولاً و دلهم إلى الحب الوفاق ، و احسهم بالعدل و عدم الظلم ، و بطبيعة الحال نتج عن هذا اجتماعهم على كلمة واحدة و القضاء على كافة سبل البغضاء و الحقد ، و الجدير بالذكر هنا أن هذه المعاملة أيضاً أعطت الخصوم شعور بأنهم مقبلين على حكم عادل صالح لا تفريق فيه ، لذلك سوفا يتحقق لهم كافة مقومات الحياة الطبيعية و تغير حالهم الى الأفضل ، و من زاوية أخرى اكتسبوا الخصوم من معاملة الملك الحسنة لهم دروس لحياتهم حيث اهتموا بتطبيق الدين ، و مبادئ الشريعة ، و كذلك اهتموا بالعلم ، بعد ما كانوا منشغلين بالحروب و السرقة و النهب.
على الوطن بشكل عام :
أعلنت المملكة العربية السعودية ١٣٥١هـ / ١٩٣٢م، و هذا يعود إلى نجاح الملك في تأسيس الدولة اولاً ، و علاقته مع شعبه المميزة ، و كذلك أزال كافة الخصوم و تم التعامل معهم ، لذلك تم تطبيق مبادئ الشريعة الاسلامية و استمرت البلاد بعملية التنمية في كافة المجالات ، و استتب الأمن و اختفت النازعات و السلطة القبلية ، و انتهت كافة الشعارات التي تدعو الى التنافر و الفرقة بين أبناء البلاد ، و في ذات السياق انتشر العدل و الوفاق ، و تم الاهتمام بالتعليم و التطور ، و في النهاية تم تثبيت ركائز الحكم من ناحية بدء التنظيم في الجيش حيث تم تأسيس الجيش السعودي النظامي ١٣٤٤هـ / ١٩٢٦م ، و بالاضافة الى زيادة الاهتمام بالحرمين الشريفين فاستقرت البلاد و تكاتف المجتمع على دعم الوحدة الوطنية ، و تم اكتشاف النفط الذي له أثر كبير على استقرار البلاد.
ما قاله الخصوم عن الملك عبدالعزيز :
١-محمد بن طلال ال رشيد أخر أمراء ال رشيد :
تكلم الملك عبدالعزيز معه بعد ما تم دخول حائل ، في الديوان الملكي ، و بدأ بمناصحته فقام و مد يده لمعاهدته و قال " أعطيك عهد الله مازلت مخلصاً لنا " ، فصافحه محمد و قال " إذ حِدتُ عن الطريق الذي أمرت به اقطع رأسي " ، ثم أقبل على الملك و قبّل أنفه و قال بصوت عالي " ادامك الله و وطد أركان ملكك ".
٢-عبدالعزيز بن ابراهيم و هو من زعماء جيش ال رشيد حين حصار حائل ، و ما قاله كان رداً على محمد بن طلال :
قال محمد بن طلال عن الملك في حصار حائل " أخشى أن ينكل عبدالعزيز بنا و يفتك برجالنا إن نحن رفعنا راية الاستسلام " ، و رد عليه عبدالعزيز قائلاً " لا إن عبدالعزيز لن ينكل بنا و لن يفتك برجالنا ، إنني أعرف من هو ابن عبدالرحمن أي انسان شهم نبيل كريم " و نلاحظ هنا أنه بالرغم من محاصرة الجيش ، و إمكانية وقوع القتال بين الطرفين ، إلا أن هذا القائد عالم و واثق بماهية الملك عبدالعزيز ، و كيفية تعامله مع اعدائه.
و في نهاية الأمر نستنتج بأنه مما لا شك فيه يعد تعامل الملك عبدالعزيز مع خصومه ، بمختلف المناهج التي أتبعها ، أثمرت بشكل فعال و إيجابي ، اولاً على الملك و شخصيته، ثم على الخصوم من ناحية تفكيرهم و تعاملهم ، ثم بعد ذلك على الوطن و استقرار.

