

منى يوسف حمدان الغامدي
رمضان في رحاب المدينة النبوية
بقلم:منى يوسف الغامدي
منذ إطلالة الشهر الكريم والشوق والحنين يأخذني إلى مدينتي الحبيبة ويزداد هذا الشوق عندما تتداعى الذكريات في عقلي وأعود لذلك البيت الكبير الذي يجمعنا في حي الزاهدية بيت الشيخ حمدان -عمدة قباء – رحمه الله ، جدي كان ينتظر هذا الشهر ليعيش معه وبه أجمل الأوقات ويجمع حوله كعادته كل الأحباب والأهل والأصدقاء . ليلة رمضان لابد أن أذهب مع والدتي رحمها الله لأسلم على جدي وجدتي وأعمامي وأخوالي كلنا نجتمع على مائدة الإفطار والسحور على قلب رجل واحد ، كنت الحفيدة الأولى في عائلة والدي وعند جدي لأبي والحفيدة الأولى عند جدتي لأمي حظيت بصحبة الكبار وتعلمت في مدرستهم كيف يجمعنا رمضان وكيف يكون الحب والعطف والتسامح واحترام الكبير وتقديره وإجلاله وكيف نحن ونعاشر الصغار ليسلم جيل لجيل هذه القيم الرفيعة . لم أستطع الكتابة من أول الشهر لأن رمضان هذا مختلف بالنسبة لي لأن أبي رحمه الله انتقل لرحمة الله وأول رمضان بدونه مؤلم وموجع لأبعد مدى على نفسي ، وكلي يقين بأن هناك دارا أخرى تجمعنا ومازالت روحه حاضرة بيننا .
بالأمس وصلت المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم ورزقنا الله بالأمطار والجو الجميل وصليت عصر الجمعة في مسجد قباء وفي طريقي للمسجد شممت رائحة تربة المدينة مع المطر وأكاد أجزم أنها أجمل وأزكى رائحة فرددت بقلبي قبل لساني الله متعنا بمدينتنا واكتبنا عندك من أهل الجوار فيها لسيد المرسلين وارزقنا فيها عيشه هنية وميتة سوية .
الحنين لعالم الطفولة في رمضان ارتبط بذاكرتي مع عالم كنت ومازلت أعيش به ومعه ، وذكريات تلفزيون المدينة وفوازير رمضان التي تميز بها أطفال ذلك الزمان الجميل وكم أتمنى أن تعود تلك الميزة ويتجدد الاهتمام بعالم الطفولة واكتشاف المواهب ليكون للجيل الجديد بصمته كما كانت تلك البصمة للجيل القديم حاضرة حتى اليوم.
المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون هكذا تعلمنا مما وردنا من نبينا محمد صلى الله عليه والسلام وهاهي العشر المباركة أقبلت وهاهي المدينة تتزين كل ليلة وتتهيأ لاستقبال الرحمات وتغشى الأرواح السكينة والطمأنينة في المسجد النبوي الذي عشت فيه أياما لا تنسى من العمل التطوعي مع نساء يقدمن حدمات جليلة لضيوف الرحمن زائرات المسجد النبوي عبر بوابة شؤون الحرمين ، لم أكن أتخيل حجم العمل الذي يقدم الا عندما عايشته معهن في تجربة لا تنسى وسأظل ممتنة لرب العالمين أن سخر لي هذا العمل في أصعب أيام حياتي كلها عندما فقدت والدي وكان السكن لروحي هو ارتياد المسجد النبوي يوميا وفي عمل متواصل وعشقت الحرف الذي كان يسطر على أوراقي وأنا أكتب للتاريخ منجزات وطني في خدمة الحرم النبوي الشريف
قلبي وروحي في شوق دائم لقدسية المكان والزمان وترقب لليلة تجمع الملايين في رحاب المسجد النبوي لختم القرآن وكلما أقبلت على هذا المكان الشريف سوف أردد ما تعودت عليه رحم الله أرواحا كانت تعيش بيننا وغادرت لجوار ريها تعلمت في مدرستهم أن المدينة تختار من تحب لسكناها وجوار نبيها ، فاللهم ارحم جدا بعيدا غادر أرضه وترك أهله منذ مئات السنين ليبقى هنا وتستمر عائلته جيلا بعد جيل تتنعم في جوار سيد المرسلين فاللهم تقبل دعواتي ودعوات المسلمين ولا تحرمنا أجر وفضل وبركة هذه الأيام المباركة واكتبنا عندك من المقبولين ومن عتقاء الشهر الكريم وكل عام وأنتم ومن تحبون بكل خير ورحم الله من لم يعد عليه هذا الشهر المبارك وموعدنا الجنة برحمة رب العالمين.

