

بقلم -آمنة بنت خليل عسيري
تسعون وخمس سنين، وما زال سرُّ النهضة يبدأ من مقعد صغير يجلس عليه طالب، ويقف أمامه معلّم؛ فيصنع من اللحظة وطن، ومن الدرس أمة.
المعلّم ليس ظلًّا عابرًا.
بل هو أصلُ البناء..
وهو الذي يسكب في القلوب انتماء..
وفي العقول وعيًا، وفي الأرواح عزيمة.
هو صائغُ وعيٍ يصقل المعادن حتى تصير جوهرًا، وهو أمينُ هوية يحفظ الملامح من الذوبان، وهو صانعُ أجيال يورثون الوطن مجدًا لا يزول.
إن الكلمة التي ينثرها المعلّم كالغرس الطيب.. أصلها ثابت وفرعها في السماء.. تُؤتي ثمرها كل حين..
وإن الدرس الذي يُلقى بصدق النية كصدقة جارية تجري في موازين العطاء إلى يوم الدين..
ألم يقل المصطفى ﷺ: خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه؟ فكيف إذا اجتمع العلم والتربية، والقدوة والدعوة؟
تلك هي منزلة المعلّم، وتلك هي رسالته في حياة الأوطان؛ فهو الجذر الخفي لكل مجد ظاهر، وهو اليد التي تمتد لتبني حاضر الوطن وغده.
في اليوم الوطني الخامس والتسعين؛ يحقّ لكل معلّم أن يرى نفسه شريكًا في كل مجدٍ بُني، وفي كل اسمٍ ارتقى، وفي كل رايةٍ رفرفت.
فكل عالمٍ نال جائزة، وكل قائدٍ رفع شأنًا، وكل مخترعٍ سجّل إنجازًا؛ وراءه معلّم أضاء له الدرب، وفتح له الأفق، ورسم له ملامح العلياء.
أيها المعلّمون: أنتم النصر الذي لا تُذيعه الشاشات، وأنتم البطولة التي لا تُكتب في الأخبار؛ لكنكم الحقيقة التي من دونها لا يكتمل أي مجد، ولا ينهض أي وطن.
أنتم الأقلام التي تُشيّد الأوطان، والقلوب التي تُزهر الأمم، والهمم التي تفتح أبواب الغد.
فطوبى لكم: من جهدكم تُصاغ النهضة.. ومن عطائكم يولد الفخر..
ومن يدكم ينهض الوطن إلى العلياء.

