

بقلم - الدكتور خالد بن فهد الغنيم
إن الحديث عن الديار، وعن المكان الذي ننتمي إليه، ليس مجرد حديث عن جغرافيا، بل هو حديث عن تاريخ وثقافة، عن ماضٍ تتجسد فيه آمالنا وآلامنا، وتطلعاتنا نحو المستقبل. إن الشعور بالعزة يأتي من الفخر بالمنشأ والتاريخ، ومن الاعتزاز بزوايا المكان وعبق الذكريات التي قد تكون عابرة أو عميقة.
وتسكن الطمأنينة والهناء في عقول وقلوب الأفراد الذين يجدون فيها ملاذهم. فالديار ليست مجرد حجر وطين بل هي ارتبطت بحياة وآمال كثيرة. وهنا يتجلى مفهوم العزة في كريم العادات والتقاليد التي تنقل من جيل إلى جيل، والتي تشكل جزءًا لا يتجزأ من هوية المجتمع. إن العزة تأتي من معرفة جذورنا واكتشاف عمق تاريخنا، فهي تجعلك تشعر بأنك جزء من كيان أكبر، يمتد عبر الأزمنة.
ديرتي تلك الكلمة التي تحمل في طياتها عواطف جياشة ومشاعر متأججة. هي ليست مجرد كلمة، بل هي حالة من الفخر والعزة تتجسد في كل حي وشارع، في كل جبل وسهل، في كل مبتسم يجلس على عتبة منزله. إن الحديث عن عزة وجاه مملكتنا هو حديث عن هويتي وثقافتي، وارتباطي بهذه الأرض التي أسكنها وأعمل من أجلها.
تظل ديرتي رمزًا لقيم الكرم والشجاعة كما أنها تجسد روح التعاون والتضامن بين أبنائها. فكلما سمعت صوت الصباح وبدأ الأطفال في اللعب، أدركت أنني جزء من نسيج متكامل. هو نسيج يربطني بهم ويجعلني أشعر بالأمان. فما أجمل أن نعيش في مجتمع يشعر فيه الجميع بالمسؤولية تجاه بعضهم البعض، حيث ينطلق كل فرد ليصبح عنصرًا فعالاً في بناء وطنه.
تاريخ ديرتي الطويل والعريق حيث يمكنني أن أسترجع صور الماضي وأفخر بها، من عصور كانت فيها ولازالت مركزًا للعلم والثقافة والايمان، إلى الزمن الذي شهد فيه أبناؤها بطولات في الدفاع عنها. إن لكل حبة تراب من ديرتي قصة تروى، وكل زاوية فيها تحمل ذكريات من كفاح العمل والتفاني. وفي كل مناسبة وطنية، يتجلى الفخر في عيون الناس، في احتفالاتهم بالأعياد الوطنية أو في غيرها. إن هذه اللحظات تُعيد للقلوب الأمل وتعزز ارتباطنا العميق بمكان نشأتنا.
ومما يعزز عزة وجاه ديرتي هو دور الشباب في تحفيز هذه المشاعر. إن المعتاد أن يكون الشباب هم روح كل مجتمع، وهم القادرون على إحداث التغيير. في ديرتي نجد الكثير من الشباب الناشطين الذين يسعون باجتهاد لإحداث فرق. فإما من خلال المبادرات الاجتماعية، أو النشاطات الثقافية، أو حتى المشاريع التنموية، نجدهم دائمًا في المقدمة، يسعون لبناء مستقبل أفضل لأنفسهم ولبلدهم.
عندما أرى هؤلاء الشباب يبنون مشروعات تتعلق بالأرض التي عاشوا فيها، أشعر بالفخر يفجر في قلبي. إنهم يحملون شعلة الأمل ويستثمرون طاقاتهم لجعل مملكتهم مكانًا أفضل، ومن خلال جهودهم، يتحقق الحُلم في تمكين مجتمعهم وتحقيق الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية. فكل فكرة جديدة أو مبادرة أو مشروع مبتكر يضيف زخمًا لنهضتنا ويعزز مكانتنا في هذا العالم.
إن الجاه الذي وصلت له مملكتنا يظهر أهمية الكرامة والسمعة التي تكتسبها مجتمعاتنا من سلوكيات الفرد. فالجميع يسعى للشرف والاحترام، سواءً في بيته أو في مجتمعه. لذا، يتحتم علينا كمواطنين أن نبذل قصارى جهدنا لنكون ممثلين جيدين عن هذه الديار. فكل تصرف نقوم به، يعكس صورة مجتمعنا، ويساهم في تطوير سمعتنا.
في عصر العولمة والتقنيات الحديثة، نجد أن ارتباط الأفراد بديارهم قد يتعرض للاختبار. لكن يمكننا أن نحافظ على هويتنا الثقافية ونبني جسرًا بين أصالتنا والمعاصرة. فالعزة والجاه لا تعني الانغلاق؛ بل تعني قدرة كل واحد منا على إظهار خصائص هوية مكانه أمام العالم بروح منفتحة، مع احتفاظنا بقيمنا وتقاليدنا واحترام الأنظمة.
تعتبر العزة مرتبطة أيضًا بقضايا التنمية والخدمات التي تقدمها قيادتنا حفظها الله. إن التقدم الذي نحقق في مجالات مثل التعليم والصحة والتكنولوجيا وغيرها، يرفع من مكانتنا ويساهم في تعزيز شعور الفخر. فعندما نسعى لتحسين أوضاعنا، فإننا نُرتب مكانتنا ليس فقط في قلوب أبناء منطقتنا، بل في عقول وأفئدة الآخرين. إن السعي نحو الإنجاز هو تجسيد للفخر الوطني، وهو بمثابة رسالة للعالم تُظهر جمال ورقي مجتمعاتنا.
ولكي يبقى هذا الشعور بالعزة، يجب أن نعمل على تطوير قناعاتنا الفردية وكسر الحواجز النفسية التي قد تحد من إبداعنا. كل واحد منا لديه القدرة على أن يكون سفيرًا لمكانه، من خلال إبداعه وتميزه في مجالاته. يجب أن نسعى لتشجيع رواد الأعمال والفنانين والمفكرين من أبناء هذا البلد العظيم، وندعم المبادرات التي تعكس غنى ثقافتنا وتاريخنا.
لقد أظهر التاريخ أن التحديات قادرة على توظيف القيم الأصيلة لبناء مجتمعات قوية، فالتاريخ يحكي قصص العظمة التي تخرج من الأزمات. وهنا نجد أن الفخر والانتماء لهما دور كبير في تحسين ظروف الحياة. فعلينا أن نثقف أنفسنا، ونعمل بجد، ونحمل شعلة الأمل في قلوبنا لنصل بمكانتنا إلى آفاق جديدة.
ديرتي هي أكثر من مجرد تعبير إنها السعودية وهي دعوة للتأمل والاعتزاز وهي فرصة لكل فرد ليكون جزءًا من حركة التغيير والإيجابية. لنرفع الرأس فخرا بقيادتنا العظيمة وبإرثنا الثقافي، ولنتمسك بكرامتنا، ولنبذل الجهد لبناء مستقبل مشرق يعكس أصالتنا ويُعزز مكانتنا في العالم. فالمملكة تحتاجنا لنكون صانعي الفارق، ودعاة الفخر في كل مكان، ولنستمر في السعي نحو الارتقاء بمستوى عزة وجاه ديرتنا.
إن عزة وجاه مملكتنا ليست مجرد شعارات نطلقها، بل هي واجب نبذله من أجل الأيام القادمة. يجب علينا أن نتكاتف كأفراد وأن نعمل معًا بجد لدعم مجتمعنا وتحقيق التنمية المستدامة. فلنجعل من العزة والجاه ليست فقط شعورًا عابرًا، بل أسلوب حياة، ومنارة تقودنا نحو مستقبل مشرق. دعونا ننظر إلى مملكتنا من منظور الحب والفخر، فهي ليست فقط موطننا، بل أيضًا هي تراثنا وقصتنا وبصمة تاريخنا. فبذل الجهد والتفاني في خدمة هذا الوطن الجميل هو أفضل ما يمكن أن نقدمه لنجعل منه رمزًا للفخر والاعتزاز.

