

بقلم: عبدالله الكناني
منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – توحيد المملكة، كان البعد الإعلامي حاضرًا في فكره ومشروعه لبناء الدولة الحديثة.
فقد أدرك أن الإعلام ليس ترفًا ولا وسيلة جانبية، بل هو ركن أساسي في ترسيخ اللحمة الوطنية، وحماية الهوية الجامعة، وإيصال صوت المملكة إلى أبنائها أولًا، ثم إلى العالم أجمع.
ومنذ ذلك الوقت، والإعلام السعودي يسير جنبًا إلى جنب مع مسيرة التنمية، شاهدًا على التحولات الكبرى، وموثقًا لخطوات النهضة المتسارعة، ومساهمًا في صناعة صورتها المشرقة.
بدأت الملامح الأولى عبر المراسلات والاتصالات اللاسلكية التي ربطت أطراف البلاد المترامية، ثم بزغ صوت الإذاعة السعودية(المذياع )ليجمع أبناء الوطن على الموجات، فيسمعون منه أخبار دولتهم الفتية، وخطب قادتهم، وتلاوات القرآن الكريم، وبرامج التوجيه والتثقيف.
ولم تمض سنوات حتى دخل التلفزيون السعودي إلى البيوت، حاملاً معه صورة الوطن في نشرة الأخبار، وملامح أصالته في الدراما والبرامج الاجتماعية، ورسالة اعتداله وانفتاحه على العالم.
لقد أصبح الإعلام منذ تلك اللحظة ذاكرةً بصرية وسمعية تحفظ ملامح العصر وتوثّق مواقف القادة والمسؤولين .
ومع تسارع وتيرة التنمية، أخذ الإعلام السعودي ينطلق بخطوات أوسع، فدخل عصر الميكروويف والأقمار الصناعية، وأصبح قادراً على مد صوته وصورته إلى آفاق العالم العربي والإسلامي.
كانت تلك المرحلة تأكيدًا على أن المملكة لم ترضَ أن تبقى في موقع المتلقي، بل أرادت أن تكون في قلب صناعة الإعلام، وأن تقدم خطابًا سعوديًا رصينًا يوازن بين الأصالة والمعاصرة.
وفي الوقت ذاته، شهدت المملكة ثورة في التسجيلات الصوتية والمرئية التي أرّخت للحياة اليومية والإنجازات التنموية، وحفظت للأجيال إرثًا حيًّا من ذاكرة الوطن.
ومع تطور مؤسسات الدولة، واصلت أجهزة الإعلام تحديث هياكلها وتقنياتها، فأنشئت قنوات وإذاعات متخصصة، وتعددت الصحف والمجلات، وامتد البث بلغات مختلفة يخاطب العالم برسالة المملكة.
ولم يقتصر الأمر على نقل الأحداث فحسب، بل أصبح الإعلام السعودي أداة للتأثير، ورافعة للتنمية، وواجهة حضارية تبني الثقة مع الداخل، وتدافع عن القضايا العادلة في الخارج، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
لقد برز الإعلام السعودي كقوة ناعمة، يُحسب لها حسابها في محيطها الإقليمي والعالمي، بما حمله من مضامين رصينة، وأصوات مبدعة، ورؤية وطنية صادقة.
وفي موازاة ذلك، لم تغفل المملكة عن بناء الإنسان الإعلامي المؤهل، فأسست أقسام الإعلام في الجامعات، وفتحت مسارات الدراسات الأكاديمية المتخصصة، وأنشأت برامج التدريب والتأهيل، ليكون لدينا جيل من الإعلاميين السعوديين الذين يجمعون بين الموهبة والمعرفة، ويقودون الحاضر بعين على المستقبل.
واليوم نرى ثمار ذلك واضحة في الصحافة المكتوبة والمرئية والرقمية، وفي الحضور السعودي المميز في المحافل الإعلامية العالمية.
ثم جاءت مرحلة الإعلام الرقمي، التي وضعت السعودية في قلب التحولات الكبرى، حيث أظهرت قدرة لافتة على استثمار الفضاء الإلكتروني ومنصاته في إيصال رسالتها وصناعة محتواها المؤثر.
ومع دخولنا عصر الذكاء الاصطناعي، يفتح الإعلام السعودي صفحة جديدة من التميز، إذ يُسخّر هذه التقنيات الحديثة في صناعة المحتوى، وتحليل اتجاهات الرأي العام، وإدارة البيانات الضخمة، وتقديم رسائل دقيقة وفعالة، بما يعزز دوره في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وفي اليوم الوطني الخامس والتسعين، نستحضر هذه المسيرة الباهرة، لندرك أن الإعلام لم يكن يومًا مجرد ناقل للخبر، بل كان شريكًا في صناعة النهضة، ومرآةً تعكس وجه الوطن المشرق، وذاكرةً تحفظ تاريخه، ورسالةً تكتب مستقبله.
فكما كان الإعلام شاهدًا على رحلة التوحيد والبناء، سيبقى اليوم شاهدًا على مسيرة التحول والتمكين، يحمل صوته إلى العالم، ويؤكد أن عزّنا بطبعنا، وبطبعنا الإعلامي الصادق، الذي يستمد قوته من أصالة وطن، وحكمة قيادة، ووفاء شعب.

