الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٢:٠٠ م-٢٤ أغسطس-٢٠٢٥       4510

أبها - النهار

 في قلب جنوب المملكة العربية السعودية حيث تصافح السحب قمم الجبال، ويلف الضباب الوديان بردائه الأبيض، تقبع أبها، المدينة التي أطلق عليها زوارها ومحبوها لقب "عروس الضباب"، فهي ليست مجرد وجهة سياحية، بل لوحة فنية حية تتزين بألوان الطبيعة وتنبض بإيقاع التاريخ والثقافة، وهي بحق جنة معلقة على قمم جبال السروات، تدعو زائرها للتأمل في جمال الطبيعة وروعة التاريخ وإبداع الإنسان.

تُعدّ مدينة  أبها  واحدة من أجمل المصايف العربية نظراً لأجوائها الساحرة على مدار العام، وتعدّ من أجمل وجهات الاستجمام كونها أيقونة جمعت مفردات الجمال في جبالها الخضراء، وسهولها، ومبانيها التراثية الملونة التي تزيّنها الحفاوة وكرم الضيافة والتقاليد الأصيلة والمعالم الأثرية العريقة.

وتُعد  أبها  عاصمة منطقة عسير، وتحلق كتحفة فنية على ارتفاع ألفين و200 متر فوق سطح البحر، وفيها تتلاشى الحدود بين الأرض والسماء، وتتدلى قرى الطين كقلائد من ذهب على صدور الصخور، ويمتزج فيها عبق الضباب مع أريج الزهور البرية، بينما ترتفع أشجار العرعر والسدر لتحكي قصصاً عن صمود الطبيعة وصلابتها وروعتها.

تستقبل  أبها  زوارها بمشهد لا يُنسى، جبال السحاب التي تتشح بالضباب صباحًا، وتكشف عن وجهها الأخضر الزمردي عند الظهيرة، وفي متنزه عسير الوطني تتجول الغزلان بحرية بين أشجار العرعر والزيتون البري، بينما تتدفق شلالات "وادي لجب" كأنهار من فضة في مواسم الأمطار. 

أما "جبل سودة" أعلى قمة في المملكة، فيقدم تجربة سماوية فريدة، إذ ترى من فوقه السحب تسير تحت قدميك وكأنك تحلق  في السماء عبر عربات التليفريك المعلقة التي تنطلق من أعلى الجبل إلى وادي العوص حيث قرية رجال ألمع التراثية التي تجذب أنظار الزائرين بأبنيتها على حواف الأجراف الجبلية والسلالم المعلقة التي يعود تاريخ بنائها لأكثر من 500 عام.

وفي "حديقة السحاب"، تلتقط الصور وسط بحيرات صناعية تعكس قوس قزح بعد كل مطر، بينما تتنفس أزهار الربيع (كالورود البرية والخزامى) عطراً يملأ عبيره أجواء المكان. 

وتختزن  أبها  كنوزًا تراثية تروي حضارة تعود لآلاف السنين، ففي "قرية ذي عين" المصنفة ضمن أفضل القرى التراثية عالميًا، تشعر وكأنك دخلت لوحة تراثية، منازل مصنوعة من الطين والحجر، وممرات ضيقة تحكي حكايات الأجداد، ومن معالم التراث أيضا في مدينة  أبها  قرية المفتاحة التي يمتد عمرها لمئات السنين، وهي إحدى أجمل القرى السياحية بالمملكة، ومن أهم المراكز الثقافية والإبداعية التي يقصدها عشاق الفنون التراثية والتشكيلية والفوتوغرافية والحرف والصناعات اليدوية.

وتضم المفتاحة قرية تشكيلية تعد من أكبر القرى على مستوى الشرق الأوسط التي تحفل بالفن التشكيلي والفنانين، وتقام فيها المعارض والمراسم التي تمكّن الفنانين من ممارسة أنشطتهم من خلالها.. ومن يزُر أبها، فلا بد أن يزور المدينة العالية أمام متنزه عسير الوطني ليتعرف على كنز الطبيعة الذي ينافس أجمل الوجهات الأوروبية، فيما يأخذك "قصر شدا" الأثري في رحلة إلى العصر العثماني، حيث تزين جدرانه نقوش وزخارف تروي انتصارات الملوك والفرسان.

وفي "متحف أبها"، تلمس تاريخ المنطقة من خلال قطع أثرية نادرة، تضم أزياء تقليدية مطرزة بخيوط الذهب، وأدوات زراعية من العصر الجاهلي، ومخطوطات تضم تاريخ القوافل التجارية. 

وبالمجمل تعد  قرى  أبها  أحد أهم مظاهر الجذب السياحي للعائلات والأفراد من هواة الطبيعة والهدوء والاسترخاء، من خلال ما يعرف بالسياحة الريفية، حيث تمنح للسائح متعة خاصة في زيارة المدرجات الزراعية الخضراء التي تعد من أجمل مظاهر الحياة الريفية خاصةً في أوقات الصيف، بالإضافة إلى ما تحمله تلك المدرجات من مناظر خلابة ومساحات ممتدة من الخضرة التي تخطف الأنظار بجمالها، وتتيح للسائح تجربة لا تنسى من معايشة الطبيعة والتعرف على الطيور والمزروعات والفواكه، والتي تكثر في فصل الصيف في جبال عسير، مثل المشمش، والرمان، والعنب، والتفاح والبرتقال، وغيرها.

وفي مواسمها الثقافية تتحول  أبها  إلى مسرح فني كبير، كمهرجان  أبها  السياحي الذي يقام سنويًا في الصيف وتُقام فيه عروض الفروسية ورقصات "العرضة" السعودية التقليدية وأمسيات الشعر الشعبي، ويقام فيها أيضا مهرجان الورود خلال فصل الربيع حيث تتزين شوارعها بأكثر من مليون وردة، وتُقام معارض للتصوير الفني. 

ولا شيء يضاهي الأسواق الشعبية بمحتوياتها من المشغولات اليدوية والتراثية كمعبر عن روح  أبها  بعبقها وتاريخها الموغل في القدم، حيث تلتقي لمسات الحرفيين المحليين البارعة بذاكرة المجتمع عبر أدوات معيشته أو الملبوسات والمجوهرات المتنوعة، فإذا زرت  أبها  فلا بد أن تستقبلك الموائد المزينة بأجود وأشهى أنواع العسل الذي تعده الطبيعة، فقد أغدقت طبيعة المنطقة الثرية بالعسل المميز على سكانها، حتى أضحى جزءًا من ثقافتها وهويتها، فهو يستخدم للشفاء من الأمراض في الطب البديل، وكإضافة لذيذة لأغلب المأكولات الشعبية في المنطقة.

وقد أسهمت بيئة  أبها  الخصبة في جودة إنتاج العسل بسبب توافر الأشجار التي يتغذى عليها النحل مثل شجر الطلح والسدر والسمر والأراك والعرفج التي تنتج أنواعًا مختلفة ورائعة من العسل، إضافةً إلى اهتمام وحرص النحّالين في المنطقة على اتباع أعلى معايير تربية خلايا النحل، حيث يصل عدد المناحل هناك إلى الآلاف.

وتشتهر  أبها  أيضاً بكرم الضيافة العسيرية، وتقديم المأكولات التقليدية مثل العصيدة والمرقوق للزائر.. تجربة طهي تعكس بساطة الحياة الجبلية ودفئها، وتتميز بمناخ معتدل صيفًا وبارد شتاءً، مع هطول أمطار غزيرة خلال فصلي الشتاء والربيع، وخاصة في المرتفعات الجنوبية الغربية، حيث منح هذا المناخ المعتدل المدينة طابعاً فريداً جعلها وجهة مثالية للزوار على مدار العام.

وفي عام 2017، اختيرت  أبها  عاصمةً للسياحة العربية، وقبل أن تكون مدينة سياحية حديثة، كانت عاصمة لعسير حاضرة تاريخية وثقافية، فزيادة على كونها العاصمة الإدارية للمنطقة، فهي مركز غني بالتراث العمراني، ومنبع للهوية الثقافية التي حافظت على تفرّدها عبر الأجيال.