

بقلم: محمد جبران الزهراني
لم أكن أبحث عن أي شيء في ذلك اليوم، لكن وجدت أمامي بائعة الشاي، بابتسامتها الوادعة، ووشاحها الأزرق، وصوتها الذي يخترق ضجيج المارة، كانت تعيش تفاصيل يومها المعتاد وكأن العالم يمر من حولها دون أن يلمسها.
توقفت لحظة لأراقبها، ثم تقدمت وطلبت كوبًا من الشاي، مدت إليّ يدها بمودة وقالت:
- أرجو أن يهدأ قلبك ويمتلئ بالسلام.
جلست أتابعها، وهي تحاور العابرين بحديثها البسيط وضحكتها المطمئنة، لفت انتباهي دفتر قديم بجانبها؛ كانت تقلّب صفحاته برفق بين الحين والآخر، حتى توقفت عند إحداها، فارتسم على وجهها لمحة من الحزن.
امتد فضولي نحو الدفتر، وفتحته في غفلة منها، كان قلبي يخفق كمن يرتكب خيانة صغيرة، فإذا بخط مائل يبوح بشيء من سرها:
دلّني يا الله.. أين أذهب؟ لا بيت، لا قلب، لا كتف، أو وجهة تنتظرني…
فجأة، بدأ المطر يتساقط، انسابت قطراته داخل ردائها، فامتزجت الأجواء بعطر جسدها ورائحة الأعشاب، التفتت نحوي، كان في عينيها بريق غريب جعلني أتساءل: "أهي واقع أم قصة سأكتبها غدًا؟"
جمعت حاجياتها سريعًا ووضعتها في العربة، وتركتها بجانب الطريق، ثم مضت بخطوات بطيئة نحو ظل قريب.
عدت إلى البيت مثقلاً بأسئلة لا تهدأ، لم أعد أرى نفسي مجرد عابر طريق، بل شاهدًا على حياة هشة، تشبه حلمًا ضائعًا، حاولت أن أسرد حكايتها على الأوراق، لكن خيالي ظل هناك، واقفًا على الرصيف، يراقب ما تبقى من أسرارها.

