الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٩:٤٢ م-٠٢ ابريل-٢٠٢٥       15125

في 4 أبريل/نيسان 2025، ستُعقد القمة الرسمية الأولى "آسيا الوسطى - الاتحاد الأوروبي" في سمرقند، برئاسة رئيس أوزبكستان، شوكت ميرضيائيف، ومن المتوقع أن يُمثل هذا الحدث معلمًا سياسيًا هامًا، ويمثل بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين المنطقتين.

وكان أحد الشروط الأساسية المهمة لإضفاء الطابع المؤسسي على هذا الشكل هو اجتماعات زعماء دول آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في أستانا وتشولبون آتا في عامي 2022 و2023، ويوضح عقد قمة سمرقند أن التفاعل بين دول منطقة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي قد وصل إلى مستوى جديد، فضلاً عن الأهمية الاستراتيجية العالية للحوار لكلا الجانبين.

ومن المهم أن نلاحظ أن مبادرة إطلاق صيغة "الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى" على أعلى مستوى طرحها رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف في عام 2022 خلال اجتماع أستانا لرؤساء دول آسيا الوسطى ورئيس المفوضية الأوروبية شارل ميشيل.

وتتوافق هذه المبادرة مع عقيدة السياسة الخارجية لأوزبكستان، التي تعطي الأولوية للجهود الرامية إلى تعزيز التعاون بين بلدان آسيا الوسطى وتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة، بما في ذلك من خلال تطوير التعاون الدولي الفعال.

بشكل عام، ساهمت عمليات التكامل في آسيا الوسطى، التي انطلقت بفضل سياسة أوزبكستان الإقليمية، في تزايد اهتمام  الاتحاد الأوروبي  بتكثيف التعاون متعدد الجوانب مع المنطقة، ويتجلى ذلك في اعتماد استراتيجية  الاتحاد الأوروبي  المُحدثة لآسيا الوسطى عام ٢٠١٩، والتي أرست إطارًا سياسيًا جديدًا لتفاعل  الاتحاد الأوروبي  مع دول المنطقة، تُكيّف الاستراتيجية المُحدثة سياسة  الاتحاد الأوروبي  مع الفرص الجديدة في المنطقة، وتُؤكد على أهميتها الاستراتيجية المتنامية.

خلال الفترة القصيرة التي انقضت منذ الاجتماع الأول لقادة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في أستانا، بُذلت جهودٌ كبيرة لتطوير حوار سياسي بنّاء وشراكة متعددة الأوجه، وعلى وجه الخصوص، عُقد مؤتمر رفيع المستوى حول الربط بين المناطق، مع التركيز بشكل خاص على تعزيز المشاريع في مجالات الرقمنة، واتصالات النقل، وإدارة الطاقة والمياه، بما في ذلك في إطار استراتيجية "البوابة العالمية" الأوروبية، كما أُطلق عدد من المشاريع الإقليمية المهمة في مجال التعليم المهني ونظام الطاقة المستدامة في آسيا الوسطى، وعُقد بنجاح منتدى المجتمع المدني، والمنتدى الاقتصادي الثاني، والاجتماع السنوي لمجلس محافظي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، كما عُقدت اجتماعات وزارية، وحوار رفيع المستوى بين  الاتحاد الأوروبي  وآسيا الوسطى حول السياسة والأمن، بانتظام، وتُظهر هذه الفعاليات رغبة الجانبين في إحداث تغييرات نوعية في الحوار ذي المنفعة المتبادلة.

تتبنى أوزبكستان موقفا نشطا في صيغة التعاون المتعدد الأطراف بين  الاتحاد الأوروبي  وآسيا الوسطى، في حين تعمل على نقل العلاقات الثنائية إلى مرحلة جديدة من المشاركة.

في مقابلة مع يورونيوز قبيل انعقاد القمة الأولى "آسيا الوسطى - الاتحاد الأوروبي" في سمرقند، صرّح رئيس أوزبكستان، شوكت ميرضيائيف: "نُقدّر عالياً دعم  الاتحاد الأوروبي  لتطلعاتنا نحو انفتاح المنطقة وازدهارها وتعزيز استقلاليتها، ومن الأهمية بمكان أن يُشاركنا  الاتحاد الأوروبي  هدفنا المتمثل في تحويل آسيا الوسطى إلى منطقة موحدة وديناميكية، مُستعدة لشراكة منفتحة ومتساوية مع جميع الأطراف المعنية".

منذ عام 2016، عندما مهدت التطورات السياسية في بلدنا الطريق أمام تعاون دولي أوثق وتحسين ظروف الاستثمار والنمو، يدعم  الاتحاد الأوروبي  التحول الطموح في أوزبكستان، وهو أمر حاسم لضمان نمو اقتصادي أكثر شمولاً وتحسين حياة المواطنين.

في عام ٢٠١٨، بدأ  الاتحاد الأوروبي  وأوزبكستان مفاوضات بشأن اتفاقية الشراكة والتعاون المُعزَّزة (EPCA)، مما يُجسِّد الاهتمام المشترك بتحديث العلاقات وتعميقها، وقّع الطرفان على اتفاقية الشراكة والتعاون المُعزَّزة بالأحرف الأولى في يوليو ٢٠٢٢، وستحل الاتفاقية الجديدة محل الاتفاقية الحالية، المُوقَّعة عام ١٩٩٦، وستُوسِّع إطار العلاقات على الصعيدين الاقتصادي وفي مجالات أخرى، مما يجعلها أكثر انسجامًا مع واقع اليوم.

تقديراً للإصلاحات الأساسية الجارية، حصلت بلادنا على وضع "GSP+" في 10 أبريل 2021، مما فتح فرصاً اقتصادية وتجارية جديدة.

كان الحدث المهم في تاريخ العلاقات بين أوزبكستان والاتحاد الأوروبي هو زيارة رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل إلى طشقند في أكتوبر 2022، حيث تمت مناقشة القضايا الرئيسية للتعاون الثنائي، بما في ذلك دعم  الاتحاد الأوروبي  للإصلاح والمساواة بين الجنسين والشراكة الناجحة في مجالات التجارة والاستثمار.

يتجلى التطور السريع للعلاقات الأوزبكية الأوروبية أيضًا في ديناميكيات الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات، فقد زار الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيائيف فرنسا (أكتوبر 2018، مارس 2025)، وألمانيا (يناير 2019، مايو 2023)، وإيطاليا (يونيو 2023). 

وفي المقابل، قام قادة أوروبيون أيضًا بزيارات رسمية ودولية إلى أوزبكستان: الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (نوفمبر 2023)، والرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير (مايو 2023)، والرئيس الإيطالي سيرجيو ماتيريلا (نوفمبر 2023)، والمستشار الألماني أولاف شولتز (سبتمبر 2024).

وفي أعقاب هذه الزيارات تم التوقيع على حزمة كبيرة من الوثائق بشأن تطوير التعاون في مختلف المجالات، والتي بلغ مجموع قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.

وكانت خطوة مهمة في تعزيز التعاون مع  الاتحاد الأوروبي  هي الموافقة على البرنامج الإرشادي متعدد السنوات للمساعدات المالية والفنية من  الاتحاد الأوروبي  لأوزبكستان للفترة 2021-2027، والذي يفتح آفاقًا جديدة للتعاون في مجالات مثل التحول الرقمي والاقتصاد "الأخضر" وكفاءة الطاقة واستخدام المياه.

ويتم أيضًا تطوير المشاريع الإنسانية بشكل نشط في إطار هذه البرامج، بما في ذلك التبادل الثقافي والتعاون مع متحف اللوفر والمتحف الجديد في برلين، مما يسمح بتقديم التراث الثقافي الغني لأوزبكستان على الساحة الدولية.

وتؤكد هذه النجاحات، التي تغطي المجالات السياسية والدبلوماسية والتجارية والاقتصادية والاستثمارية والسياحية والثقافية والإنسانية، التغييرات النوعية في العلاقات بين أوزبكستان والاتحاد الأوروبي، مما يعزز صورة آسيا الوسطى كمنطقة مهمة واعدة على الساحة الدولية.

إن انعقاد القمة الرسمية الأولى في صيغة "الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى" في أوزبكستان، وتحديداً في مدينة سمرقند التاريخية، هو اعتراف بالدور المعزز للبلاد في عمليات التكامل في المنطقة وجهودها النشطة لتعزيز التفاعل الإقليمي وتوسيع التعاون الدولي على منصات "آسيا الوسطى +".

ومن المنتظر أن تفتح نتائج القمة المقبلة آفاقا واسعة أمام دول آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي، مما يخلق أساسا متينا لتعميق العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والإنسانية، وتوسيع فرص التجارة وتنفيذ المبادرات المشتركة التي من شأنها أن تسهم في التنمية المستدامة والاستقرار والازدهار في المنطقتين.