الكاتب : لواء م عبد الله ثابت العرابي الحارثي
التاريخ: ٢٢ مارس-٢٠٢٥       20845

بقلم - لواء م عبدالله ثابت العرابي الحارثي

المشاعر هي روح العلاقات الإنسانية، هي ما يمنحها الدفء والعمق، ويجعلها ذات معنى حقيقي. حين يفرح الإنسان، فإن فرحته تكتمل بمشاركة من حوله، وعندما يحزن، يخفّف عنه وجود من يواسيه. هذه القيم لم تكن يومًا محل جدال، لكنها اليوم تمرّ باختبار حقيقي، مع تغيّر أنماط التواصل وتحوّل الكثير من العلاقات إلى مجرد مجاملات باردة عبر وسائل الاتصال الحديثة.

لم يعد التواصل العاطفي كما كان في السابق، فقد استبدلت الزيارات الحية، والمشاركة الفعلية في مناسبات الفرح والحزن، برسائل نصية مقتضبة، أو حتى ملصقات جاهزة تُرسل بلا تفكير. في كثير من الأحيان، نجد أن البعض لا يكلف نفسه حتى عناء كتابة بضع كلمات تعبّر عن مشاعره، بل يكتفي بنسخ رسالة كتبها شخص آخر، أو إعادة توجيهها كما هي، وكأن التعبير الشخصي بات عبئًا ثقيلًا. هذا الفتور العاطفي يجعل صاحب المناسبة يشعر وكأنه مجرد رقم في قائمة المرسَل إليهم، لا شخصًا تُقدَّر مشاعره.

ربما يبرر البعض هذا التغيّر بضغوط الحياة وسرعة إيقاعها، وربما يعود الأمر إلى تحولات اجتماعية جعلت القيم التي كانت تعدّ أساسية تتراجع لصالح أنماط جديدة من العلاقات السطحية. لكن مهما كانت الأسباب، فإن النتيجة واحدة: فتور المشاعر، وتراجع قيم التراحم والتعاطف التي لطالما كانت ركيزة أساسية في مجتمعنا.

التواصل ليس مجرد أداء واجب، بل هو تعبير عن الحب والاهتمام. عندما يسأل الإنسان عن أقاربه وأصدقائه، فهو لا يقوم بإجراء روتيني، بل يؤكد لهم أنهم حاضرون في قلبه وذاكرته. والمشاركة في مناسباتهم، سواء بالحضور أو بالكلمة الصادقة، تعكس دفء المشاعر وتعمّق الروابط.

ولعل الصورة الأكثر وضوحًا لهذه النماذج المجتمعية تظهر عند النظر للمشهد المجتمعي من حولنا؛ إذ لو أخذنا عينة من الشباب، خصوصًا من مواليد عام 2000، وسألناهم: «متى آخر مرة تواصلت فيها مع خالك، أو عمتك، أو قريبك ؟» سنجد إجابات صادمة ومؤلمة؛ فهناك من يقول: «أتواصل معهم في الأعياد »، ومنهم من يذكر أنه كان قبل عام، وآخر يجيب «لا أتذكر»، وهناك من يعترف: «لم أتواصل معهم قط». هذا الواقع، وإن لم يكن ظاهرًا في كل ميدان، إلا أنه موجود ويستدعي الوقوف عند أسبابه دوافعه والتفكير في كيفية معالجته. هنا يبرز الدور الحيوي للإعلام، والخطباء، والعلماء، والمثقفين، والنخب، والقادة، وأهل العرف والحكمة من أبناء الأسرة والقبيلة والعائلة في التحفيز والتذكير الدائم بأهمية الاتصال والتواصل وصلة الأرحام.

شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة لمراجعة علاقاتنا، وتصحيح مسار تواصلنا مع من نحب. فهو شهر القرب، ليس فقط من الله، بل من الناس أيضًا. فلنجعل من هذا الشهر مناسبة لإعادة إحياء صلاتنا الإنسانية، ولنكسر حاجز البرود العاطفي الذي فرضته علينا التقنية. كلمة صادقة، زيارة قصيرة، أو حتى اتصال هاتفي بمشاعر صادقة، قد تعني للآخرين أكثر مما نتصور.

المشاعر الصادقة لا تحتاج إلى جهد مادي، لكنها تُحدث أثرًا لا يقدّر بثمن. فهل نستطيع أن نعيد الدفء إلى تواصلنا، أم سنبقى أسرى لرسائل منسوخة لا تحمل شيئًا من أرواحنا؟