الكاتب : النهار
التاريخ: ١٢:٢٢ م-٢٢ فبراير-٢٠٢٥       12100

بقلم: حنين فرج العوفي*

 

تأتي هذه الذكرى العظيمة على قلوب الشعب السعودي في 22 فبراير من كل عام، تذكيراً واستشعاراً لمن انغمس في الحاضر الزاهر لبلادنا الغالية بأهمية تاريخها الشامخ وبداية تأسيس دولة العِزّة والطموح قبل ثلاثة قرون على يد من حمل على عاتقه مسؤولية الوِحدة بعد شتات طويل الإمام محمد بن سعود، وانطلق النور من قاعدته الدرعية عام 1139هـ/1727م.

ولاستشعار ذلك التأثير والتغير الكبير الذي حوَّل حال شبة الجزيرة العربية في تلك الفترة، حُري الوقوف والنظر إلى حال شبه الجزيرة العربية قبل تأسيس الدولة السعودية، فكيف كانت الأوضاع السياسية والأمنية خلال النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي؟

كانت الحالة السياسية في قلب الجزيرة العربية ( نجد ) يغلب عليها الانقسام والتفكك السياسي، والصراع الدائم حول السلطة بين الأمراء ورؤساء القبائل، ولم تكن خاضعة في تلك الفترة للحكم العثماني، حيث تمثلت السلطة السياسية في زعامات لدى الحاضرة والبادية، وكانت من أهم مقومات الزعامة أصالة النسب والشجاعة والخُلق الحسن، ومن أهم الامارات التي قامت في نجد قبل قيام الدولة السعودية:

الدرعية وكانت تحت إمارة آل سعود، والعيينة التي يحكمها آل معمر، والرياض التي يتولاها دهام بن دواس، وفي الخرج كان آل زامل.

أما غرب شبة الجزيرة العربية والمتمثل في الحجاز فقد كان تحت حكم الأشراف حتى عام 923هـ/1517م حيث انتقلت بعد ذلك للحكم العثماني بشكل تلقائي بعد قضائهم على المماليك ودخول مصر، فأعلن الشريف ولائه للسلطان العثماني في ذلك الحين فأصبحت الحجاز تحت ولاية الشريف لكن بوجود ممثل للسلطان له صلاحياته في المنطقة.

وفي الجزء الجنوبي الغربي من شبة الجزيرة العربية كانت بعض المناطق مثل عسير تحت حكم الأشراف مع وجود بعض الزعماء المحليين، وقد يرجع ذلك لطبيعة المنطقة الوعرة التي لم تسمح بوجود نافذ وقوي يوحد جميع تلك الجهات. وفي الجهة الشرقية من البلاد المتمثلة في الأحساء والقطيف كان الحكم لزعماء بني خالد الذين بسطوا نفوذهم في المنطقة.

 

وتبعاً لعدم استقرار الحالة السياسية في شبة الجزيرة العربية أصبحت الحالة الأمنية مضطربة، حيث كانت حالات السطو وقطع الطرق والثأر وسفك الدماء أمراً ليس بالغريب، فليس هناك حكومة أو سلطة تضع القوانين الرادعة لحماية الناس وممتلكاتهم.

لم تكن الأحوال مستقرة في معظم المناطق ولم تكن موحدة تحت نظام حكم واحد يضمن للسكان حياة مستقرة آمنة، بل كانوا بحاجة ماسة لحاكم صارم يرسخ الأمن ويقيم الأحكام والحدود بحسب قواعد الشريعة الحقّة لوقف الاضطرابات، وإنهاء التفكك والفوضى التي كانت تعم المناطق.

وما إن بزغَ نجم دولة يقودها إمام عازم على تأسيس بلاد ترتكز على الشريعة الإسلامية والوحدة السياسية، فتحوَّلت الأوضاع المضطربة في شبة الجزيرة العربية إلى وحدة وكيان سياسي واحد كانت نواته الدرعية، أسَّسه الامام محمد بن سعود منذ استلامه حكم الدرعية عام 1139هـ/1727م ثم خلفه من بعده أبنائه، الذين بذلوا الجهود بعزمهم وكفاحهم لازدهار الدولة وإرساء الأمن، وضم معظم أجزاء شبة الجزيرة العربية، فبلغت أوج اتساعها في عهد الامام سعود الكبير، ولم تكن مرحلة التوحيد بالمرحلة السهلة التي لقيت تأييد الجميع، بل خاض السعوديون معارك بطولية في وجه من وقف أمام مسيرة التوحيد التي حملت معها مبادئها الإسلامية، و من جانب آخر ساهم حمل راية التوحيد وإعلان قيام الدولة على مبادئ الشريعة الاسلامية وتحقيق العدالة انضمام الكثير وتأييدهم ونصرتهم في بقاع شتى، فزادت قوة الدولة الفتيّة و اتسعت و قضت على خصومها، و سخرت لسكانها الوحدة و الاستقرار.

إن 22 فبراير 1727م والذي يعد تاريخ تتويج الامام محمد بن سعود على إمارة الدرعية، يعود كل عام ليعيد الذكرى المجيدة لانطلاقة هذا الوطن، ويجعل القارئ يتمعن كيف كانت شبة الجزيرة العربية قبل وجود القائد الهمام محمد بن سعود وأبنائه ومن ثم أحفاده، وكيف نقف اليوم بفخر واعتزاز نباهي بأمجادنا، والجذور العريقة لبلادنا.
*باحثة دكتوراة في التاريخ والحضارة