

بقلم: أ.د. عبدالعزيز بن سعيد محمد الهاجري*
يعد يوم التأسيس السعودي ذكرى عظيمة لتأسيس دولتنا الفتية المملكة العربية السعودية، توافق 22 من شهر فبراير من كل عام.
حيث أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز أمرا ملكيا بأن يكون يوم 22 فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم يوم التأسيس، بناءً على تولي الإمام محمد بن سعود الحكم في الدرعية والعديد من الإنجازات في عهده.
ومن هنا بات من الضرورة أن نتناول الجذور القيادية في مرحلة التأسيس من خلال التعرف على الشخصية القيادية للإمام محمد بن سعود، والنظرية الوظيفية في مجال قيادته، والنظرية التشاركية، والتحالفات الاستراتيجية، والتمويل المالي.
حيث اعطت هذه الأبعاد القيادية الإمام محمد بن سعود القوة والسلطه للقيام بتأسيس هذه الدولة العظمى التي امتدت منذ ثلاثة قرون إلى وقتنا الحاضر.
الشخصية القيادية:
كان الامام محمد بن سعود يملك حسًا إداريًا جيدًا ونظرة مستقبلية؛ فعمد في البدء للتغيير، معلنًا قيام الدولة السعودية الأولى، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ شبه الجزيرة العربية؛ حيث وضع الأسس واللبنات الأولى افضت لتوحيد الجزيرة العربية، وهي تلك الوحدة الوطنية التي لم تعرفها شبه الجزيرة العربية منذ قرون طويلة، ونتيجة لهذه الوحدة أصبحت مدينة الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف، ومصدر جذب اقتصادي واجتماعي وفكري وثقافي.
وفي الفكر الإداري والقيادي تعد شخصية الفرد نتاج تفاعل لمجموعة المجالات الذاتية والتي تكون موجهة نحو أهداف معينة، وتصدر عن الشخصية آثار معينة على الفرد والمحيط الذي يوجد فيه، ومن أجمل الشخصيات وأعظمها تلك التي يطلق عليها الشخصية القيادية والتي يتمتع صاحبها بملكة نادرة لا يملكها إلا ما ندر من الناس لدرجة أنه لا يزال الكثير من الناس يعتقدون أن القادة يولدون ولا يصنعون وذلك لصعوبة اكتساب الصفات القيادية العظيمة.
أن نظرية الرجل العظيم القيادية تعتمد أساسًا على وجود أفراد يولدون عظماء، لذا فهم الأحق بالقيادة من غيرهم، فهم يمتلکون مواهب وصفات وراثية وخصائص فطرية جعلتهم قادرين على القيادة الفعّالة.
يرى أصحاب هذه النظرية إن الله سبحانه وتعالى قد منح قلة من الأشخاص بعض الخصائص والسمات والمميزات التي تميزهم عن غيرهم وهذه السمات هي التي تؤهلهم للقيادة من نواحي جسمية کالطول والقوة والحيوية وحسن المظهر، وصفات عقلية کالذکاء وسعة الأفق والقدرة على التنبؤ وحتى التصرف والطلاقة في الکلام والسرعة في اتخاذ القرارات، وصفات انفعالية کالنضج الانفعالي وقوة الإرادة والثقة بالنفس، والصفات الاجتماعية کحب التعاون والمقدرة على رفع الروح المعنوية للعاملين والقدرة على الاحتفاظ بأعضاء الجماعة، وصفات شخصية عامة منها التواضع والأمانة وحسن السيرة.
ومجمل هذه الأمور قد تميز بها الإمام محمد بن سعود رحمه الله في كتب التاريخ وهو أقل ما يقال عنه رحمه الله. حيث اسهمت صفاته الشخصية القيادية هذه في تمكينه من أن يؤسس دولة ذات ثقل عالمي وإقليمي وعربي امتد نماءها إلى وقتنا الحاضر.
النظرية الوظيفية:
اهتمت هذه النظرية بتوزيع المسؤوليات والمهام القيادية كالتوجيه، واتخاذ القرارات، والتخطيط، والتنسيق، حيث قامت على دراسة مهام ووظائف القيادة والمعايير المتصلة بها.
وقد أكد الأكاديمي البريطاني “جون أيداير” صاحب هذه النظرية بأن القيادة الوظيفية تعني إن هناك وظائف أساسية يجب تحقيقها، ويمكن إجمالها في (١٠) وظائف يجب على القائد إنجازها وهي ما توافر لدى الإمام محمد بن سعود – رحمه الله- والتي يمكن لنا إجمالها في التالي:
١. تحديد التوجه والغرض من العمل (لماذا؟).
٢. تثبيت رؤية مستقبلية.
٣. الإفصاح عن القيم التي تحدد البوصلة الأخلاقية للعمل والمهمة.
٤. القدرة على التفكير الاستراتيجي والتخطيط من أجل الحصول على التزام جميع الأطراف المعنية.
٥. القدرة على تحقيق ما تصبو إليه الجماعة.
٦. ضبط العلاقات داخل العمل.
٧. تحديد طريقة تسيير العمل عبر المركزية أو اللامركزية، وتحديد من يعمل ماذا.
٨. إقامة شراكات وحلفاء من أجل دعم ما تهدف إلى تحقيقه.
٩. القدرة على إطلاق طاقات الآخرين وتحقيق التآزر والتعاون بين المجموعة.
١٠. القدرة على تطوير قادة آخرين للفترة القادمة.
والمتتبع لسيرة الإمام محمد بن سعود يجد إنه بنى أمجاد دولته من خلال ممارستة لنظرية القيادة الوظيفية كأحد أساليب القيادة الإدارية الناجحة.
النظرية التشاركية:
تقوم هذه النظرية على أن العاملين يشاركون بشكل مباشر في صنع القرار في منظماتهم. ويقوم القائد بدور تسهيل النقاشات وجمع الآراء، ثم يأخذ جميع الاقتراحات وتوجيه المسؤولية ويخرج بأفضل إجراء ممكن. وفي نظرية المعرفة التشاركية يتم تفعيل المعنى من خلال مشاركة العقل البشري مع العالم.
في عام 1139 هـ/1727 تولّى الأمير محمد بن سعود -الذي أصبح يلقب فيما بعد بـ”الإمام”- الحكم، وقاد البلاد إلى مرحلةٍ جديدةٍ في تاريخ المنطقة، وأسس الدولة السعودية الأولى، حيث أصبحت الدرعية في عهده ذات مركزٍ قويٍّ واستقرارٍ داخليٍّ وحكمٍ راسخٍ في المنطقة.
وفي عام 1157 هـ/1744 توجه الشيخ محمد بن عبد الوهاب من مدينة العيينة إلى الدرعية، حيث ناصره أميرها محمد بن سعود وقدم له التأييد والتمكين من خلال الاتفاق التاريخي الذي حدث بينهما في ذلك العام، والذي سمي بميثاق الدرعية، وأصبح المنطلق الأساس لتأسيس الدولة السعودية الأولى نتيجة لقيام الدولة السعودية الأولى ظهر الكثير من العلماء وازدهرت المعارف والنواحي العلمية والاقتصادية، وأنشئ العديد من المؤسسات والنظم الإدارية، وأصبحت الدولة تتمتع بمكانةٍ سياسيةٍ كبيرةٍ نتيجةً لقوتها، واتساع رقعتها الجغرافية.
التحالفات الاستراتيجية:
نجح الإمام محمد بن سعود في تشكيل تحالفات استراتيجية تضمنت؛ التعلم من التجارب المتوافرة، والدخول إلى تجارب جديدة، وكسب المزايا التنافسية، وتكوين الدولة الناشئة، والحصول على الموارد غير المتوافرة، فضلاً عن المشاركة بالكلفة والمخاطر.
وعلى الرغم من الأهمية الحاسمة للمنافع المتحققة من التحالفات الاستراتيجية، تواجه المنظمات صعوبة بالغة في إدارتها وتنسيق النشاطات المشتركة والسيطرة عليها، علاوة على الصعوبات التي تنشأ من متطلبات الاتصال واتخاذ القرارات المشتركة.
ورغم هذا كله، فقد أدت العلاقة القائمة بين الدولة السعودية الأولى والقوى المحلية في الخليج العربي، خاصة تلك القوى المؤيدة للدولة السعودية، إلى توليد دورٍ بارزٍ تمخض في حدوث اتصالات بين الدولة السعودية والقوى الأخرى المؤثرة في المنطقة.
التمويل المالي:
يعد الحراك الاقتصادي في الدرعية عاملاً مهماً في تأسيس الدولة حيث ازدهرت التجارة بشكل كبير في عهد التأسيس، ليكون سوق الدرعية أعظم الأسواق في المنطقة، إضافة إلى أن النظام المالي للدولة كان خينئذٍ من أفضل النظم التي عرفتها شبه الجزيرة العربية في حينها، وقد هاجر في ذلك الوقت كثير من العلماء إلى الدرعية للتعليم والتأليف؛ فشملها كغيرها من المدن الأخرى الاهتمام من قبل الإمام المؤسس، فكان أن أسهمت مدينة الدرعية إسهامًا كبيرًا في محاربة الجهل والأمية، وشجعت على التعليم بشكل كبير مما انعكس عليها اقتصادياً.
كان النظام المالي للدولة السعودية الأولى مشابهًا للنظام المالي للدولة الإسلامية في الفترة المبكرة من تاريخ الإسلام؛ فكانت أهم مصادر الدخل الزراعة، والزكاة، وجلب الغنائم.
*أستاذ القيادة السياسات التربوية بجامعة الملك خالد

