الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٢:٢٦ م-٣١ يناير-٢٠٢٥       25410

الرياض - النهار السعودية

بقلوبٍ يملؤها الحزن، وألسنٍ تلهج بالدعاء، ودعنا صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود، أمير المنطقة الشرقية السابق، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى، تاركًا إرثًا وطنيًا وإنسانيًا سيبقى مصدر إلهامٍ للأجيال. لم يكن مجرد قائدٍ إداري، بل كان رمزًا للعطاء والعمل الإنساني، امتدت جهوده من بناء المدن إلى بناء الإنسان، ومن خدمة الوطن إلى مساندة المحتاجين داخل المملكة وخارجها.

مسيرةٌ حافلة.. قيادةٌ وإنجازاتٌ لا تُنسى

تولى الأمير محمد بن فهد(رحمه الله ) إمارة المنطقة الشرقية عام 1405هـ (1985م)، لتبدأ مرحلةٌ جديدةٌ من النهضة الشاملة، حيث شهدت المنطقة طفرةً اقتصاديةً وتنمويةً جعلتها مركزًا حيويًا على خارطة المملكة والعالم. لكنه لم يركز على التنمية المادية فقط، بل آمن بأن بناء العقول هو أساس النهضة، فأسس العديد من المشاريع التعليمية والخيرية التي كان لها أثرٌ عميقٌ في المجتمع.

ومن أبرز مواقفه الإنسانية دوره خلال أزمة الغزو العراقي للكويت عام 1990م، حيث تحولت المنطقة الشرقية تحت قيادته إلى ملاذٍ آمنٍ للأشقاء الكويتيين، مقدمًا لهم كل أشكال الدعم والتسهيلات، في تجسيدٍ عمليٍّ لقيم الأخوة والوفاء.

إنجازاتٌ خالدة.. بصمةٌ في كل مجال

التعليم.. الاستثمار في المستقبل

إيمانًا منه بأن التعليم هو الركيزة الأساسية للتنمية، كان سموه وراء إنشاء جامعة الأمير محمد بن فهد، التي أصبحت نموذجًا للتميز الأكاديمي والتطور التقني، وتهدف إلى تأهيل قادة المستقبل. كما دعم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وأطلق برامج منح دراسية للأسر المتعففة، مؤكدًا أن “التعليم هو السلاح الحقيقي للأمم”.

الاقتصاد.. تحويل الشرقية إلى مركز عالمي

ساهم سموه في جعل المنطقة الشرقية عصب الاقتصاد السعودي، من خلال تعزيز دور المدن الصناعية الكبرى مثل الجبيل وينبع، وجذب الاستثمارات العالمية، مما جعل المملكة لاعبًا رئيسيًا في قطاع الطاقة والصناعة.

الصحة.. راحة المواطن أولًا

كان للأمير الراحل دورٌ بارزٌ في تطوير القطاع الصحي، حيث ساهم في إنشاء مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، الذي أصبح منارةً طبيةً لعلاج الأمراض المستعصية، إلى جانب العديد من المرافق الصحية الكبرى بالمنطقه بالاضافة لدعمه للعيادات المتنقلة وحملات التوعية الصحية في المناطق النائية.

البنية التحتية.. نهضة حضارية متكاملة

شهدت المنطقة الشرقية خلال قيادته طفرةً في البنية التحتية، حيث أُنشئت شبكة طرقٍ حديثة، وجسورٌ تربط المدن، وموانئ متطورة، مما جعل المنطقة مركزًا لوجستيًا حيويًا للمملكة.

حرب تحرير الكويت.. موقفٌ يُروى للأجيال

عندما اجتاح الغزو العراقي الكويت، لم يكن موقف الأمير محمد بن فهد مجرد دعمٍ سياسي، بل كان ملحمةً إنسانية يرويها التاريخ، حيث عمل على:

 • تخصيص مساكن طارئة واستقبال آلاف العائلات الكويتية النازحة.

 • فتح مدارس المنطقة الشرقية للطلاب الكويتيين لضمان استمرار تعليمهم.

 • تقديم رعاية طبية مجانية للمصابين والمرضى من الأشقاء الكويتيين.

 • قيادة جهود الإغاثة بنفسه، مؤكدًا أن “الكويت ليست مجرد دولة شقيقة، بل هي جزءٌ من وجداننا”.

عطاءٌ بلا حدود.. الإنسانية أولًا

امتدت أيادي الأمير محمد بن فهد البيضاء خارج حدود الوطن، حيث:

 • أطلق مبادراتٍ خيريةً لدعم مشاريع المياه في أفريقيا، وبناء المدارس في آسيا، ومساندة متضرري الكوارث الطبيعية.

 • تكفل بآلاف الأيتام داخل المملكة وخارجها، مقدمًا لهم التعليم والرعاية الصحية حتى سن الرشد.

 • أسس وقفًا خيريًا لدعم الأبحاث العلمية، إيمانًا منه بأن المعرفة أساس التقدم.

رجل الرؤية.. إرثٌ يبقى عبر الزمن

لم يكن الأمير الراحل يؤمن بالإنجازات قصيرة الأمد، بل كان يرى أن البناء الحقيقي هو ما يبقى بعد الإنسان. ومن أبرز مبادراته:

 • جائزة المجلس العربي لشباب العالم: أُطلقت هذه الجائزة بمبادرة من جامعة الأمير محمد بن فهد، وتهدف إلى اكتشاف المتميزين والمبدعين من الشباب العربي في مختلف المجالات، وتكريم الجهات والمؤسسات الشبابية العربية على إنجازاتها المتميزة ، قائلًا: “الشباب هم قلب الوطن النابض.. ودعمهم واجبٌ علينا”.

 • دعم مشاريع الطاقة المتجددة والاستدامة: 

كان الأمير محمد بن فهد(رحمه الله )داعمًا لمشاريع الطاقة المتجددة، إيمانًا منه بأهمية الاستدامة وضمان مستقبل أكثر ازدهارًا للأجيال القادمة، وأنهم يستحقون مستقبلًا أكثر ازدهارًا.

    * تجسد هذه المبادرات رؤية الأمير الراحل في بناء إرث دائم يسهم في تنمية المجتمع ودعم الشباب.

* لم يكن الأمير الراحل يؤمن بالإنجازات قصيرة الأمد، بل كان يرى أن البناء الحقيقي هو ما يبقى بعد الإنسان، لذا:

الوداع الأخير.. شكرًا أيها الملهم

 ونحن نودّع قائدًا عاش لوطنه وشعبه، لا يسعنا إلا أن نرفع أكفَّ الدعاء، سائلين الله أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته.

لك يا سمو الأمير نقول:

 • شكرًا لأنك علمتنا أن القيادة ليست منصبًا، بل مسؤولية.

 • شكرًا لأنك جعلت من الشرقية نموذجًا للنهوض، ومن اسم السعودية رمزًا للإنسانية.

 • شكرًا لأنك كنت سندًا لكل محتاج، وأبًا لكل يتيم، وعونًا لكل مكروب.

رحلتَ عنا جسدًا، لكن إرثك سيظل محفورًا في كل طالب علمٍ تعلّم، وكل مريضٍ شُفي، وكل كويتيٍّ وجد في أرض المملكة بيتًا آمنًا.

لقد صدقت حين قلت: “العطاء لا يعرف حدودًا.. والوطن لا يُبنى إلا بالحب”.

نسأل الله أن يجعلك في عليين، وأن يلهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان.

“العظماء لا يرحلون.. بل يتحولون إلى قصصٍ ترويها الأجيال.”